الوقت -تستولي التطورات الأخيرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية على جانب كبير من الأهمية كونها أدت إلى عودة التوترات في هذه المنطقة الحساسة. وبدأت هذه التوترات بعدما قصف الكيان الصهيوني فجأة المناطق الحدودية مع لبنان، حيث أطلقت المقاومة اللبنانية مباشرة بعد العدوان الصهيوني، صاروخ كورنيت على دبابة ميركافا التابعة للجيش الإسرائيلي رداً على التجاوز الصهيوني.
وفي الوقت نفسه، أفادت مصادر أمنية أن عناصر حزب الله اللبناني أطلقوا صواريخ كورنيت مضادة للدبابات على دبابة ميركافا في منطقة جبل الروس في شبعا، مما أدى إلى تبادل المناوشات العسكرية وهجمات المدفعية الإسرائيلية، بينما كانت المقاتلات الإسرائيلية تحلق على نطاق واسع في المنطقة ايضا، لكن الحادث انتهى الى هذا الحد ولم يتطور. وبعد هذه المناوشات، بدا أن الصهاينة لم يتخذوا قرارًا بزيادة النزاع والتوتر أكثر، وفضلوا إبقاء مستوى التوتر على حاله دون تغيير، وحتى تخوفات السلطات الصهيونية من هذا المستوى المنخفض من التوتر كان واضحا.
الخوف من انتقام حزب الله
تصاعدت الاشتباكات بين الصهاينة وحزب الله في لبنان في الأيام الأخيرة بعد أن عززت إسرائيل قواتها على حدودها مع لبنان خوفا من هجمات مرتقبة من قبل حزب الله في الأيام القليلة الماضية. وفي الواقع، خشي الصهاينة من انتقام محتمل لحزب الله بعد الهجمات الصاروخية الأخيرة على مناطق مطار دمشق، وبعد ذلك ظل الصهاينة في حالة تأهب قصوى خوفًا من رد فعل حزب الله حتى بدأ تبادل إطلاق النار في منطقة شبعا.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أنه في عام 2006، تم اختطاف جنديين إسرائيليين في مزارع شبعا، مما أدى إلى نشوب الحرب الإسرائيلية اللبنانية الثانية، واضطر الصهاينة إلى قبول وقف إطلاق النار في الحرب التي استمرت 33 يومًا. وفي ظل الظروف الحالية، اختار الصهاينة عدم تصعيد الحالة العسكرية القائمة في شبعا، خوفًا من تكرار حرب الـ33 يومًا ، والتي أدت في النهاية إلى قبول الصهاينة لوقف إطلاق النار دون تحقيق تل أبيب أي إنجاز أو غاية.
كما أظهرت تصريحات المسؤولين الصهاينة خوفهم من تكرار الحرب مع حزب الله، وحذر نتنياهو، رئيس وزراء الكيان، في أول رد فعل له على التوترات على الحدود اللبنانية، بنبرة تحذير: إن أي هجوم من قبل حزب الله ولبنان سيُجابه برد فعل قوي من البلاد، وسيتحمل حزب الله ولبنان المسؤولية عن أي هجوم.
وفي اليوم التالي للحادث، أعرب مسؤولون أمنيون وعسكريون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، عن قلقهم بشأن الصراع مع حزب الله اللبناني وتوقعوا أن يرد حزب الله على الهجمات الإسرائيلية قريبًا. وقال كوخافي في إشارة الى هذا الموضوع "وفقا للوضع الراهن، فقد عززت قواتنا في الشمال من حالة التأهب القصوى وهي الآن في ذروة استعدادها". واعترف كوخافي أيضا في تصريحه أن الغرض من تبادل إطلاق النار الأخير هو منعها من التحول إلى صراع واسع النطاق، وفي الواقع أظهر كوخافي الخوف الشديد والقلق حيال نشوب صراع واسع النطاق مع حزب الله اللبناني.
مغامرات نتنياهو في خضم نزاع محدود
من ناحية أخرى، وفقا لبعض المراقبين لقضية فلسطين المحتلة، فإن نتنياهو ربما لم يكن مترددا في الانخراط في هذا الصراع المحدود، وبالطبع، المسيطر عليه. ووفقا لهؤلاء الخبراء، حاول نتنياهو في الواقع، في هذا الاشتباك المحدود الذي دام لساعات مع حزب الله، حرف الرأي العام في فلسطين المحتلة عن القضايا الداخلية، وإثارة القضايا الخارجية وجعلها ضمن الأولويات مرة أخرى.
في ظل الوضع الراهن، يرزح المشهد السياسي للكيان الصهيوني تحت طائلة الخلافات المستمرة بين نتنياهو ووزير الحرب بيني غانتس، الذي، وفقا لاتفاق سابق بين الطرفين، من المقرر أن يصبح رئيسا للوزراء في غضون عام. ولكن يبدو أن نتنياهو يرغب الآن البقاء في منصب رئاسة الوزراء، وقد أعلن هذه الأيام عن ضرورة إجراء انتخابات برلمانية جديدة بهدف الحصول على الأغلبية المطلقة.
في الواقع، نتنياهو مصمم على كسب الأغلبية المطلقة في البرلمان من خلال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، والتي ستكون رابع انتخابات برلمانية إسرائيلية في أقل من 15 شهرًا ، حتى لا يضطر إلى تقاسم السلطة مع خصمه السياسي بيني غانتس.
كما أن قضية الفساد الاقتصادي لنتنياهو ما زالت تحتل مركزًا مهمًا هذه الأيام، ومن المقرر أن تعقد الجلسة الثانية لمحكمة فساد نتنياهو في أقل من ستة أشهر، حيث يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي حالة من القلق إزاء تبعات نتائج المحكمة على مستقبل مسيرته السياسية.
تظهر الموجة الواسعة من الاحتجاجات الليلية ضد نتنياهو، أن الرأي العام متردد من استمرارية عمل نتنياهو كرئيس للوزراء بسبب محاكمته من قبل القضاء الإسرائيلي، وعلى الرغم من الضغوط الداخلية هذه، قد تكون الاشتباكات المحدودة على الحدود اللبنانية فرصة لنتنياهو للتهرب من الضغوط الداخلية.
ومع ذلك، أظهر الرد الأخير لحزب الله اللبناني على تحركات الكيان الحدودية، أن هذه التحركات يمكن أن تؤدي حتى إلى صراع واسع النطاق والإطاحة بحكومة نتنياهو بالكامل، وبالتالي اختار قادة تل أبيب تجنب المزيد من الصدامات مع حزب الله في لبنان وتقليل حدة التوترات إلى الحد الأدنى. وفي الحقيقة، إن الصراع المحدود مع حزب الله في لبنان هو بمثابة مقامرة كبيرة للقادة الصهاينة، وقد يؤدي تطور مستوى التوتر، الى حرب واسعة النطاق ويمهد الطريق لانهيار حكومتهم.