الوقت – جاهدين يُحاول السعوديون بثّ الفرقة بين اليمنيين وتقسيم اليمن رُبّما إلى ثلاث دول أو أكثر، فالمهم لديهم ألّا يبقى اليمن موحداً، وذلك في تنفيذٍ لوصية جدّهم عبد العزيز الذي أكد أن عزَّ السعودية في ذلِّ اليمن، وعزّ اليمن في ذلِّ السعودية، وتبعتهم في هذا الإمارات التي تأمل بالسيطرة على بعض الجزر اليمنيّة التي سُتمكنها من السيطرة على مفاتيح البحار، وعلى هذا الأساس فقد شنّوا حرباً لا هوادة فيها على اليمن منذ أكثر من خمس سنوات، غير أنّهم وبعد أن فقدو الأمل بالسيطرة على اليمن عسكرياً؛ بدؤوا يُحاولون تقسيم اليمن إلى دولٍ مُتحاربة فيما بينها ليبقى اليمن على ما هو عليه إلى ما شاء الله.
فحتى الاتفاق الذي وقعته حكومة الفار هادي مع المجلس الانتقالي الجنوبي بالأمس لا يخرج عن كونه تكريساً لواقع التقسيم الذي أرادته مملكة آل سعود، وحتى اختيار الوزراء في الحكومة المُرتقبة كان تكريساً أيضاً لواقع التقسيم.
فالاتفاق المُوقّع في عاصمة آل سعود سيُتيح لآل سعود السيطرة على منابع النفط في اليمن بعد أن باتوا هم الضامنون للفرقاء اليمنيين، ومكّنهم الاتفاق أيضاً من السيطرة على خطوط أنابيب النفط المُتوقّع مدّها من شرق السعودية وحتى خليج عدن لتصديره من هناك.
أكثر من ذلك فإنّ هذا الاتفاق سيُمكِّن الإمارات هي الأخرى من السيطرة على الأرخبيل اليمني والمُتمثل بجزيرة سقطرى والجزر القريبة منها، الأمر الذي سيُمكنها من السيطرة على البحر الأحمر، والضامن في ذلك سيكون فرقة اليمنيين التي كرستها الإمارات والسعودية.
واليوم بات المسؤولون اليمنيون جميعهم يُدركون حجم الانحراف السعودي عن هدفها المعلن في اليمن، لكنهم وفي ظل الأوضاع الحاليّة باتوا عاجزون عن اتخاذ أيّ تدبير للوقوف بوجه المشروع السعودي، وقبل شهر قدّم وزير الصناعة والتجارة بحكومة هادي محمد الميتمي، استقالته من منصبه احتجاجاً على غياب موقف حكومي واضح من قيام دول إقليمية (مُلمحاً إلى السعودية)، بدعم انقلاب المجلس الجنوبي على الشرعية واستقطاع أراضيه وجزره لمصلحة الإمارات، مؤكداً أنّ دول التحالف المزعوم تسعى علناً إلى تمزيق اليمن وإيصاله إلى انقسام، وباتت أهدافه المُعلنة تتعارض مع مُمارساته التي تعمل على تمزيق اليمن والاستيلاء على أراضيه وجزره.
وبناءً على هذا بات من الواضح أن السعودية أصبحت تستخدم الحكومة اليمنية كغطاء من أجل القيام بما يحلو لها في اليمن، كما أنّها وبرفقة الإمارات عملوا على تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وحددوا له أهدافه المُتمثلة بتقسيم اليمن، وبالفعل تمّ انفصال في الجنوب في العام 2017 وبات يتلقّى دعماً هائلاً من الإمارات منذ ذلك الحين، وفي أبريل الماضي أعلن المجلس ذاته الحكم الذاتي في الجنوب، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد الصراع في اليمن، وبات يُشكّل هاجساً لأيّ حكومة مستقبليّة بعد انتهاء الحرب.
ويشير استيلاء المجلس الجنوبي وسكوت آل سعود عنه إلى موافقة ضمنيّة من السعودية والإمارات على الجهود التي تقوض الوحدة في اليمن، وبناءً عليه بات من الواضح أنّ المجلس الانتقالي ليس أكثر من صنيعة سعودية إماراتية، واليوم لم تعد الرياض وسيطا نزيهاً بين حكومة هادي والمجلس الانفصالي، بل بات يتمحور دورها بتمكين الميليشيات الانفصالية من السيطرة على الجنوب.
وبنظرة أكثر دقّة على الوضع اليمني يمكننا استنتاج أنّ كلّ المُمارسات السعودية لا تخرج عن إطار تمكين الانفصاليين، فبينما كانت المعارك بين قوات حكومة هادي وقوات المجلس الانفصالي على أشدّها في أبين وعدن تركّز الدور السعودي حينها على إرسال مراقبين لوقف إطلاق النار، أما الهدف من ذلك منع قوات حكومة هادي من تحقيق أي مكاسب عسكرية، وبات وجود المراقبين يُشكل "حق نقض" ضد أيّ محاولات لحكومة هادي لاستعادة عدن أو أبين.
وفي النهاية؛ فإنّ خمس سنوات من الحرب أثبتت أن السعودية تسعى إلى تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب كحدٍ أدنى، كما أنّه ليس لديها أيّ مصلحة في المناطق الجبلية في الشمال، لكنها تريد السيطرة على السواحل التي لها مواقع استراتيجية بالإضافة للسيطرة على الصحاري الغنية بالنفط.
ومن المُستبعد وجود أجندة متضاربة بين السعودية والإمارات في اليمن وبالتأكيد مخطئ من يعتقد أن السعوديين والإماراتيين ليس لديهم أهداف مشتركة في اليمن. فالاثنان يعرفان جيدًا ما يريدانه وقد أثبتت التطورات الأخيرة ذلك، وبمراجعة التاريخ الحديث لليمن، نجد أن السعودية والإمارات وقفتا ضد توحيد اليمن، فالسعودية ترى مصالحها في إبقاء اليمن في هذا الوضع هش، مجزأ، وفقير، حتى يتمكنوا من السيطرة عليه وتنفيذ أجنداتهم.