الوقت – لم يترك آل سعود باباً إلّا وطرقوه في سبيل الوقوف بوجه الأتراك، يلحقونهم من مكانٍ إلى آخر في سبيل وقف التمدد التركي الذي يُشكّل التهديد الأكبر بالنسبة للسعودية التي تعتبر نفسها حاملة لواء الإسلام السني، وهنا تبرز تركيا كمنافس على هذه السيطرة بعد تبنّي الترك لحركة الإخوان المسلمين ذات الانتشار الواسع في العالم الإسلامي، والتي تُمثل التحدّي الأبرز لسلطة آل سعود.
أوروبا والخليج خارج التغطية
كثيراً حاول آل سعود إذكاء الخلافات بين دول العالم والأتراك، غير أنّه عاد بخُفّي حُنين، فدول الخليج التي كان يتوقّع منها أن تقف إلى جانبه لم تُحرِّك ساكناً اللهم باستثناء الإمارات، أما بقيّة الدول الخليجية فقد آثرت النأي بنفسها عن المناكفات الإقليمية، أو أن تكون قُرباناً لابن سلمان على المذبحة الليبية، خصوصاً بعد أن شهدوا جميعاً الحالة التي وصلت إليها اليمن بعد تدخل آل سعود هناك.
أكثر من ذلك؛ حاول ابن سلمان استرضاء الدّول الأوروبيّة، غير أنها آثرت الحفاظ على مصالحها مع الأتراك ويعود ذلك إلى سببين، الأول الابتعاد عن السّمعة السيّئة التي باتت تُلاحق ابن سلمان في حلِّه وترحاله، والسبب الثاني أنها فضّلت التفاهم مع تركيا لما يربطهم بها من علاقات اقتصادية وسياسيّة من المؤكد أنّها تتفوّق على مليارات ابن سلمان التي حاول إغرائهم بها، فالغرب تاريخيّاً لا يهتم إلّا بمصالحه الخاصة، وابن سلمان هنا لا يُفيد تلك المصالح.
وفي ظلِّ هذا الوضع المُتدهور، عقدت مملكة آل سعود معاهدات عسكريّة عدّة مع اليونان، العدو اللدود والتاريخي للأتراك، محاولة من ذلك جرّ اليونانيين إلى إشعال حرب مع الأتراك، غير أنّهم –أي اليونانيين- يعلمون جيداً مغبّة الدخول بحرب مع تركيا، خصوصاً وأنّ اليونان تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة ولا تمتلك ثمن تحديث أسطولها البحري أو الجوي، كما أنّها خبرت التدخل التركي في قبرص قبل حوالي نصف قرن، وكيف سيطر الترك على قبرص الشمالية التي لا يزالون يحكمونها حتى اليوم.
لأكثر من ذلك؛ فقد فوّضت أمريكا مشكلة ليبيا إلى أوروبا، التي تتهمها بأنها لا تفعل ما يكفي بخصوص هذه المُعضلة، وتؤكد واشنطن أنّه يمكن لأوروبا استخدام نفوذها على اليونان للتوصل إلى تسوية مع تركيا في شرق البحر المتوسط مقابل تنازلات بشأن ليبيا.
الحلّ الأخير
اليوم يتحرّك وزير خارجية آل سعود في الشمال الإفريقي مُتنقلاً بين القاهرة والجزائر علّه يجد أحداً يسمعه هناك، ويقوم بالوقوف بوجه الترك الذين انتشروا كانتشار النار في الهشيم وألحقوا هزائم مُتلاحقة بقوّات الحليف الأقرب لآل سعود خليفة حفتر، وحجر العثرة الأخير بوجه تركيا في ليبيا.
وعلى هذا الأساس؛ يُحاول فيصل بن فرحان إقناع المصريين بالتدخل في ليبيا لإيقاف التمدد التركي، غير أنّ الرئيس المصري الذي اعتاد على "الأرز" السعودي، يعتقد أنّه ليس من مصلحته التدخل في ليبيا، على الرّغم من أنّ تصريحاته حملت الكثير من الوعد الوعيد بحق الأتراك وتحذّرهم من التقدّم إلى الشرق الليبي، غير أنّ أردوغان يعلم أنّ جعجة السيسي بلا طحين.
ولعلم السعودية أنّ مصر السيسي ليست أكثر من نمر من ورق، طار الفرحان إلى الجزائر في محاولةٍ لإغرائها بالتدخل في ليبيا، مع تكفّل المملكة بكل المصاريف، لكن من غير المُرجّح أن يدخل الجزائريون في حربٍ كهذه، فعلاقتهم بتركيا ليست بالدرجة التي تُجبرها على خوض حربٍ معها، كما أنّها وحال دخولها في حرب كهذه ستكون مهددةً من جارتها الشرقية -المغرب- حيث إنّ علاقات الدولتين لم تخلُ من التهديد العسكري منذ استقلال الدولتين، ومن جهةٍ أخرى فإنّ المغرب حليف قوي للأتراك.
تركياً؛ من غير المُرجح أنّ ينكفئ الأتراك إلى بلادهم؛ فهم سيبقون إلى جانب حكومة السّراج حتى النهاية، فهم يعلمون جيداً أنّه إذا خسر السراج الصراع الليبي على السلطة، سيفقد الترك وصولهم إلى حقول الغاز المتوسطية، ويعلمون أيضاً أنّ أيَّ حكومةٍ أخرى لن تحترم العقود القائمة ولن يحترمها سوى السراج، وعلى هذا؛ إنّ تمكّن حفتر من الوصول للسلطة فمن المحتمل أنه سيلغي الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا كواحدة من خطواته الأولى، ومن غير المحتمل أيضاً أن تكون هذه مهمةً صعبة، وهو يعتمد في ذلك على أنّ البرلمان في طبرق لم يوافق على الاتفاقية التي تواجه العديد من الانتقادات القانونية الدولية، وتصبُّ كلّ الجهود التركيّة اليوم على الإبقاء على حكومة السرّاج، وبسقوطها فإن المعاهدة البحرية قد انتهت، وعليه ستبقى ليبيا الآن المسرح الأكثر خطورة للحرب بالوكالة بين تركيا وحكومة السرّاج وباقي الميليشيات الموالية له، وبين حفتر ومصر والسعودية والميليشيات الموالية لهم.