الوقت – جمّةٌ هي المشكلات التي باتت تعاني منها الدولة التركية هذه الأيام، ومن الواضح أنّ زيارة السيد أردوغان قبل أيّام لقطر، وتبعها زيارة وزير دفاعه السيد خلوصي أكار تصبّ في ذات السّياق، كون قطر تُعتبر من أكثر الدول تماشياً مع السياسة التركية، ورُبّما حليفتها الوحيدة في المشرق العربي، فماذا يُريد السّيد أكار من زيارته للدوحة ولقائه بوزير دفاعها، وهل يُخطط الشريكان لمشاريع جديدة خصوصاً وأنّهما رأس الحربة لمشروع الإخوان المسلمين في العالم العربي، ورُبّما العالم.
دعم مادي
من الواضح أنّ السبب الرئيس لزيارة أكار إلى الدوحة هو الحرب الدائرة في ليبيا والمفتوحة منذ العام 2011، وخصوصاً اليوم بعد أن شهدت الساحة الليبية تطورات مهمة بعد نزول الجيش التركي ومجموعات من السوريين الموالين لأنقرة إلى ساحة المعركة وتعزيز قوّات الحكومة الوطنية التي يرأسها السرّاج، وليس من قبيل المصادفة أن وصول أكار إلى العاصمة القطرية يأتي بعد أيام قليلة من زيارته لمدينة طرابلس الليبيّة، بعد أنّ أعلن من هناك أنّ تركيا تنوي البقاء "إلى الأبد" في الدولة الواقعة في الشمال الإفريقي.
تصريحات أكار جاءت بعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين أنقرة والدوحة خلال زيارة أردوغان الأخيرة إلى الدوحة، واتفاق الطرفين على خطة لتعزيز وجود الإخوان المسلمين على رأس السلطة في ليبيا، إذ يُمثل فائز السرّاج جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وأتى الدخل التركي هناك للحفاظ على الشريك الإخواني "الموثوق" في رأس السلطة، خصوصاً إذا علمنا أنّ وصول الانقلابي عبد الفتاح السيسي إلى رأس هرم السلطة في مصر بعد انقلابه على الإخواني، ولا يُريدون إعادة ذات الخطأ في ليبيا، ومن هنا تأمل أنقرة الحصول على الدعم المادي اللازم لتنفيذ هذا المخطط من قطر الغنيّة، وزيادة عدد المُقاتلين الأجانب (من غير السوريين) بعد النقد الشديد الذي تلقّته تركيا من زجّ السوريين في معاركها الجانبيّة.
أكثر من ذلك؛ أتت زيارة أكار هذه بعد يوم واحد فقط من إصدار البنتاغون الأمريكي تقريراً كشف فيه أن تركيا أرسلت ما بين 3500 و3800 مقاتل سوري إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني، ومن المتوقّع أنّ يكون تقرير البنتاغون هذا تسبب في تحوّل في وجهة النظر التركية حول الزّج بالسوريين في الحرب الليبية واستبدالهم بجنسيات أخرى.
طبول الحرب
على الرّغم من أنّ تقرير البنتاغون لم يأتِ بجديد؛ غير أنّه يُمثّل إحراجاً شديداً لأنقرة من شريكها في الناتو، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات الدولية الرافضة للتدخل التركي في ليبيا، وهنا يسعى أكار من زيارته تلك إلى الطلب من قطر للضغط على أصدقائها الدوليين للكف عن انتقاد التدخل التركي في ليبيا، وليؤكد أيضاً أنّ الوجود التركي في طرابلس الغرب هو نفوذ ليس فقط لأنقرة، بل للدوحة على حدٍ سواء.
أكثر من ذلك؛ فإن طبول الحرب التي تُدق في الشرق الليبي بين مصر وتركيا بات يتردد صداها في أنقرة والدوحة، حيث وصلت الحالة في الشرق الليبي إلى ذروة التوتر الأسبوع الماضي، عندما بدا أنّ كلّ شيء كان جاهزًا لحكومة الوفاق الوطني، بدعم من أنقرة، لشن هجوم على الجيب الجيواستراتيجي في سرت، الذي تُسيطر عليه ميليشيات حفتر المدعومة من مصر.
وعلى وقع طبول الحرب تلك؛ أجرت القوّات التركية والمصرية مناورات عسكري ضخمة في المُتوسط وصفها الخبراء بأنّ هدفها ردعي أكثر من هجومي، على الأقل في الوقت الحاضر، على الرغم من التصعيد في الخطاب بين الدولتين.
وبناءً على ما سبق؛ يسعى أكار لحشد التأييد الدولي في حال نشوبِ أيَّ حرب مُحتملة، وفي سبيل هذه الغاية يحاول الاستفادة من النفوذ المالي لقطر، خصوصاً إذا علمنا أنّ الاقتصاد التركي قد ضعف بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة نتيجة اجتياح جائحة كورونا، حيث ارتفع الدين العام إلى 240 مليار دولار، والتضخم وصل إلى حوالي 13 ٪ الأمر الذي أجبر حكومة السيد أردوغان على التدخل بضخ مالي وصل إلى 8.3 مليار دولار لإعادة الاعتبار للعملة المحلية.
وعلى هذا الأساس؛ تحتاج أنقرة إلى دعم الدوحة المالي أكثر من أي وقت مضى، ويسعى أكار، إلى توقيع "اتفاقيات مالية" جديدة مع الدوحة من خلال اجتماعه مع وزير الدفاع القطري، تُقدم بموجبها الدوحة مساعدة ماليّة لأنقرة مقابل تقوية نفوذ الدوحة في المنطقة؛ إذ تُعتبر أنقرة أهم حليف لقطر خصوصاً بعد مقاطعة عدد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية للدوحة منذ العام 2017.