الوقت- إن انعدام الأمن وانتشار الحروب في كافة دول الشرق الأوسط هو السمة الأبرز التي تصبغ المنطقة منذ سنوات. والأسباب كثيرة وراء ذلك، ولكن أبرز ما في هذه الأسباب هو أنها خارجية بامتياز. حيث أصبحت هذه البقعة من العالم ساحة لحروب الآخرين من أجل التحكم في منطقة من أكثر مناطق الأرض حيوية وثروات طبيعية على الاطلاق. ومن ضمن السياسات الخارجية المؤثرة على هذه المنطقة تأتي التدخلات السعودية والتركية وغيرها من التدخلات السلبية الأخرى التي تتسم بالتنافس الدموي في اغلب الاوقات.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة "واشنطن تايمز" مقالاً بقلم السياسي الأمريكي "روان سباستين" يشير فيها الى أن الطريقة التي تعمل بها السعودية وتركيا في المنطقة أدت وتؤدي الى انتشار الفوضى وفقدان الأمن في دول كالعراق وسوريا اضافة الى دول أخرى. ويضيف الكاتب في مقاله قائلا "ان تركيا والسعودية تتبادلان الأدوار في السعي لاضعاف كل من سوريا والعراق وقد ازدادت تدخلاتهم في هذين البلدين خاصة بعد اللقاء الذي جمع الأفرقاء في فيينا مؤخرا بما في ذلك أمريكا وروسيا".
ويتابع الكاتب الأمريكي "حاولوا من خلال مباحثات فيينا أن يظهروا (كذبا) للعالم أن الشعب السوري بأجمعه لا يقف مع النظام الحاكم في سوريا" وبالاضافة الى ذلك سعوا من خلال اللقاء الى تلميع صورة المجموعات الارهابية المسلحة وحرف النظر عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها في سوريا، وعرضها على شكل مجموعة متكاملة وموحدة ويمكن أن تشكل بديلا عن الجيش العربي السوري.
وأوضح الكاتب أن التحركات المتسارعة لكل من السعودية وتركيا بعد لقاء فيينا يؤكد أن البلدين يسعيان لتصدر المشهد السوري السياسي والعسكري. ويتخوفان من اتفاق روسي أمريكي بشأن حل الأزمة السورية وهذا ما لا يرضي كلا الطرفين (السعودي والتركي) ولكن الأمل أن يؤول جهدهم الى الفشل بسبب التعويل الكامل على الجماعات الارهابية المسلحة والتي ثبت أنها لا تستطيع تحقيق كل المخططات التي تحلم بها السعودية وتركيا.
وهنا من الجدير بالذكر أن العلاقات السعودية التركية قد تعرضت لبعض الهزات خاصة بعد موت عبدالله وقدوم سلمان والموقفين المخالفين اللذين اتخذهما البلدان ازاء الوضع المصري. هذا الاختلاف أدى الى بروز تنافس أقل ما يمكن وصفه بالدموي بين كل من السعودية وتركيا وخاصة على الساحة العراقية والسورية. وهذا ما يؤكده هذا المحلل الأمريكي قائلا "سياسة السعودية وتركيا في مقابل الوضع السوري مطابق تماما في حين كان الموقفان مخالفين تماما بخصوص الوضع المصري".
أما بالنسبة الى الملفات الأخرى فيتحدث الكاتب عن الموقف السعودي اتجاه ايران ونفوذها في العراق بالاضافة الى الموقف من اليمن ولبنان. حيث أن السعودية اتخذت خطوات معادية لايران في المنطقة وتحاول الحؤول دون ازدياد النفوذ الايراني فيها وكان الاتفاق النووي الذي حققه الايرانيون مع المجتمع الدولي بمثابة المدخل الذي جعل السعودية تتدخل في اليمن لاستعادة جزء من نفوذها الذي شعرت بأنه سلب منها. وكان أن شكلت التحالف الشهير وبدأت بعدوانها على اليمن دون أن تصل الى نتائج الى اليوم.
أما بالنسبة الى الروابط السعودية التركية فكانت تتأثر بنقاط الخلاف والاشتراك الذي يجمعهما. والسعي المشترك لزيادة نفوذهما في المنطقة وكانت آثار هذا السعي مخربا بشكل عام. وكان الاجتياح الامريكي للعراق من أبرز الاثار السلبية لهذا التقارب.
ويضيف الكاتب أن الرياض تشعر اليوم أنها ومنذ الاجتياح الأمريكي للعراق أصبحت تحت رحمة النفوذ الايراني التركي المتزايد في البلاد العربية. وكان كابوسها الأهم هو فكرة امتلاك ايران للسلاح النووي. فكيف حالها اليوم وقد اعترف العالم بايران النووية مما يعزز وضع حلفاء ايران في المنطقة والذين يعتبرون أعداء الرياض.
هنا تتأكد نظرية أن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في دول المنطقة انما هو النتيجة المباشرة لسياسات كل من تركيا والسعودية الساعيتين الى زيادة نفوذهما من خلال دعم الحركات الارهابية في المنطقة في كل من العراق وسوريا ومن خلال التدخل المباشر في اليمن ودعم الاطياف السياسية الموالية لها في لبنان لمنع الوصول الى توافق وطني شامل.
في مقابل هذا كله فان الوصول الى حل للأزمة السورية لا يكون أبدا من خلال التحركات المشكوكة لبعض الأطراف الساعية الى تحقيق أهدافها الخاصة وانما من خلال تفعيل التنسيق بين كافة الدول التي تواجه الارهاب بجدية ومن ضمنها ايران، والسعي الى قطع أوصال الارهاب وتجفيف منابعه وخاصة الخليجية بالاضافة الى تعزيز قدرات النظام السوري على اعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري وصاحب الحق بالمشاركة في أي اتفاق مقبل حول مستقبل سوريا، مستقبل يؤمن للشعب السوري الاستقرار والأمان الذي كان ينعم بهما قبل الأزمة.