الوقت – لا يخفى على عاقل أنّ لبنان اليوم يُعاني من انهيار مالي لا يشهد له مثيل، كما أنّ هذا الوضع يُمثّل أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية بين (1975 – 1990)، وما يزيد الطّين بلّة خروج أحد رجال الدين (البطريرك بشارة بطرس الراعي) ليفتي بالسياسة ويُطالب بما لا يفقه به، خارجاً عن الإجماع اللبناني، وعن الشرعيّة اللبنانيّة التي يُمثلها الرئيس عون (وهو ماروني) وعن شرعية مجلس النوّاب التي يمثلها (نبيه بري) وعن شرعيّة رئيس الوزراء حسان دياب، واللذين وصلوا إلى مناصبهم بانتخاب شعبيّة شهد العالم جميعه على نزاهتها، فماذا يُريد البطريرك الراعي من تدخّله في الشأن السياسي؟.
هجوم سياسي
في البداية؛ خرج الراعي ليؤكّد على الحاجة الملحّة للوصول للحياد في لبنان، وذلك في إشارة ضمنيّة لحزب الله، وكأنّ السيد الراعي لا يعلم أنّ لبنان قد نأى بنفسه منذ اشتعال الحرب السوريّة، وأنّ وجود حزب الله على الأرض السورية يُمثّل الحزب فقط ولا يُمثّل لبنان.
انتقاد بشارة المُتزايد لوجود حزب الله في سوريا بات يُمثّل قميص عثمان بالنسبة للبنانيين، فمع كلِّ عضةٍ بات يخرج بها السيد الراعي لا يبرح انتقاد حزب الله والحكومة اللبنانيّة التي استطاع حزب الله تشكيلها عن طريق الانتخابات البرلمانيّة الحرّة، بعكس وصول الراعي إلى منصبه الذي لا أحد يعلم كيف وصل إليه.
أكثر من ذلك؛ ففي كل الأزمات التي تضرب لبنان يخرج الراعي منتقداً الحزب والحكومة، واليوم ذهب أبعد من ذلك ليبدأ بتحريض اللبنانيين على التظاهر على الرغم من الحالة الاقتصادية المُنهارة لبلاده، وهنا كان الأجدر به رُبّما تهدئة الشارع ليُتيح للحكومة الخروج من عنق الزجاجة وإنقاذ لبنان واللبنانيين من هذه الحالة.
أمّا الأدهى والأمرّ من ذلك؛ أنّ البطريرك الراعي بات يُحمّل حزب الله مسؤولية الانهيار الحاصل في الاقتصاد اللبناني، متناسياً ربّما أنّ هذه أوّل حكومة يُشارك حزب الله بها، وأنّ جميع الحكومات السابقة كان الحزب في صفّ المعارضة، ومن جهةٍ أخرى؛ فإنّ الوضع الاقتصادي المتهاوي الذي يعيشه لبنان هذه الأيام ليس وليد اللحظة؛ بل إنّه نتيجة تراكمات عشرات السنين، غير أنّ نتائجها لم تظهر إلّا الأن، ولو أتى أكبر خبراء الاقتصاد ليُحاول حل مشكلة لبنان الاقتصادية لما استطاع، كون مشكلة لبنان ليست آنية، وعليه فإنّ حلّها يتطلب وقتاً طويلاً وليس كن فيكون.
وراء الأكمة ما وراءها
الانتقادات التي باتت تتكرر في الآونة الأخير من قِبل البطريرك لا يفهم منها إلّا أنّ هذا الراعي يهدف إلى ما هو أبعد من إبعاد لبنان عن لعبة المحاور كما يصفها، إذ من الواضح أنّ الراعي ومن حملته هذه يهدف إلى إعادة أكثر من ألفي عميل من الكيان الإسرائيلي كانوا قد خرجوا من لبنان إبّان انسحاب الكيان الإسرائيلي من أراضي لبنان المُحتلة.
ولا يخفى على ذي عقل أنّ زيارة البطريرك الراعي سابقا برفقة البابا إلى الأراضي المُحتلة كانت لإقناع عملاء إسرائيل الذين رافقوا جيش الاحتلال المُنسحب من لبنان إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة بالعودة إلى لبنان، غير أنّه عاد بخفي حنين، بعدما رفض العملاء دعوته للعودة، بل أكثر من ذلك كان ردهم أنهم أصبحوا "مواطنين إسرائيليين" ولا يريدون الهوية اللبنانية أو العربية!، على الرغم من أنّ قوّات المقاومة وبعد تحرير الجنوب اللبناني كانت حذرة من أن تؤذي أو تنتقم من أيٍّ من العملاء أو حتى من عائلاتهم، بل تركت الأمر للقضاء اللبناني ليُقرر مصيرهم.
راعي العملاء
ما إنّ خرج الرّاعي بتصريحاته التي وّصفت بالـ "حمقاء" والتي لا يجب أن تخرج من رجل دين بهذا المستوى؛ تداعى اللبنانيّون في مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحذير البطريرك الراعي من مغبّة الاصطفاف بصف العملاء، أو حتى التوسط لهم أو العمل لعدم محاكمتهم.
أكثر من ذلك هاجم البعض البطريرك الراعي ووصفوه بـ "راعي العملاء" بعد أن بات واضحاً للعيان أنّ الراعي ومن بابٍ طائفي محض يُحاول التوسط لعدد من العملاء الذين أوغلوا بدماء اللبنانيين، ليؤكدوا أنّ قدومهم إلى لبنان وفي حال تم، يجب أن يُقَدّموا إلى محاكمة عادلة للقصاص منهم.
وفي النهاية؛ رُبّما لا يعلم الراعي أنّ منصبه "الديني" يُحرِّم عليه التدخل في الشأن العام، ولا في اللعبة السياسيّة، فهو ليس برجل سياسة حتى يُبدي رأيه في الوضع السياسي، كما أنّه وكمُمثل روحي للموارنة في لبنان، فإنّ رئيس لبنان بشكل عام وكما يؤكد الدستور اللبناني هو ماروني "الرئيس ميشيل عون"، وهنا فإنّ المُخوّل بالحديث باسم الموارنة بالشأن السياسي هو عون وليس الراعي.