الوقت – دخل اليوم علينا شهر يوليو، ودخل معه التاريخ الذي حدّده الكيان الإسرائيلي لتنفيذ مشاريع الضم التي أعلن عنها رئيس وزراء الكيان، والذي يهدف لإبقاء المجتمعات الفلسطينية في القدس محاصرة ومهمّشة على أمل أن يخرجوا منها طواعية بعد تنفيذ مشاريع الضم، ولهذا السبب خرجت اليوم حركة المقاومة الإسلامية حماس باستعراض صاروخي مُطلقةً عشرين صاروخاً تجريبيّاً في عرض البحر المتوسط المحاذي لقطاع غزة، ووصل صداها إلى الحدود القبرصيّة، في الوقت الذي كانت فيه طائرات الاستطلاع التابعة للكيان تجوب المنطقة ذهاباً وإياباً علّها تستطيع معرفة مصدر هذه الصواريخ أو هدفها.
حركة حماس كانت واضحة للغاية ولم يكن الكيان الإسرائيلي بحاجة للطائرات لا لطائرات استطلاع ولا لجواسيس لمعرفة مضمون الرسالة، فهي تقول وببساطة إن تطبيق مشروع الضم سيفتح أبواب جهنم على الكيان، وإنّ الفلسطينيين لن يسكتوا عن سلب أراضيهم أمام أعينهم ويقفون موقف المُتفرج.
انتفاضة ثالثة
كما أنّ لكلِّ شيء وجهان، فإنّ لمشروع الضم وعلى دنائته؛ وجهٌ مُشرق فهو سيُعيد الألق للمقاومة الفلسطينية بشكلٍ عام، والأهم من ذلك أنّنا سنعود ونرى الضفة الغربية تشهد أعمالاً قتاليّة، فالمقاومة أو الانتفاضة هي التي أثبتت ومنذ بداية احتلال فلسطين نجاعتها وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالكيان الإسرائيلي وأجبرته غير مرّة على التراجع بعد أن أذاقته الهزيمة ولنا في قطاع غزّة وجنوب لبنان أكبر العِبر.
أكثر من ذلك فإنّ أكثر ما يُسبّب الرعب للكيان الإسرائيلي ويؤرق ساسته هذه الأيام هو أن يتهوّر نتنياهو ويبدأ بتنفيذ مشروع الضّم، الأمر الذي سيؤدي لحراك جماهيري فلسطيني سيتحوّل لثورة شعبية، وهذه الثورة وإن لن تكون مدعومة بالسلام من قبل دول العالم، غير أنّها ستكون مدعومة سياسياً، حيث إنّ كلّ دول العالم باستثناء الراعي الأمريكي يقفون ضدّ مشروع الضّم، وهو ما أكّده الاتحاد الأوروبي وأهم الدّول الفاعلة به كألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وقبلهم هددت بريطانيا باتخاذ إجراءات ضدّ الكيان الإسرائيلي في حال مَضى في تنفيذ مشروع الضم.
إعلان حرب
تعتبر حركة حماس أنّ بدء الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مشروع الضم هو بمثابة إعلام حرب، وفي حالةٍ الحرب فكلُّ شيء مباح، وعلى هذا الأساس كان إطلاق الحركة لعشرين صاروخاً باتجاه البحر، لتؤكد أنّها أطلقت هذا العدد الكبير من الصواريخ وفي أقل من نصف ساعة ليعلم الكيان أنّ ما خفي أعظم، وأنّه مع بدء تنفيذ ذلك المشروع المشؤوم ستبدأ الحركة بقصف مستوطنات الكيان.
أكثر من ذلك؛ وبسبب الانقسام السياسي الحاصل في فليسطين؛ يعتقد الكيان الإسرائيلي أنّ ضمّه لأرضٍ في الضفّة الغربية أو غور الأردن، يُمكنه أن يُجنّب تدخل حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي، كون قطاع غزّة سيكون بعيداً عن عمليات الضّم، غير أنّ إطلاق تلك الصواريخ كان بمثابة رسالة لا تقبل التأويل، وهي أنّ غزة وحركات المُقاومة الموجودة بها ستكون جزءاً من أيّ مواجهة على الأرض، وأنّ مشروع الضم يُهدّد غزّة كما يُهدّد الضفّة الغربيّة، ولا يحقّ لأيّ سلطة مهما كان انتماؤها أنّ تفصل الضفة عن غزّة خصوصاً فيما يتعلّق بموضوع مصيري كاقتطاع الأراضي وضمّها للكيان الإسرائيلي.
وفي النهاية؛ فإنّ مشروع الضمّ ليس وليد اللحظة أو إنّه نتيجة لتفاهم الكيان مع أمريكا، بل هو عقيدة متجذّرة لدى ساسة الكيان، ووقف بعض ساسة الكيان اليوم ضدّ هذا المشروع، ليس أكثر من تكتيك سياسي من ناحية يهدفون من خلاله إلى إلحاق الضرر بنتنياهو، والتسريع بانهيار حكومته وإيداعه السجن، أملاً بالوصول إلى سُدّة الحكم بعد هذا الانهيار، ومن جهةٍ أخرى، هو تكتيك استراتيجي يهدف إلى تجهيز الوضع العام لتنفيذ هذا المشروع تحت حججٍ مُختلفة، أو الحصول على ضمانات دوليّة وعربية بأنّ تنفيذ هكذا مشروع لن يجرّ على الكيان أيّ مضاعفات أخرى كقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، أملاً بأنّ يكون العرب أنفسهم ضامنين لحركة حماس أو بالحدّ الأدنى ممارسة ضغوطات عليها كي لا تقوم بأيّ عمليات انتقاميّة.
وفي المُحصّلة، فإنّ سياسة الكيان الإسرائيلي ومهما اختلفت الوجوه هي سياسة واحدة، وتتلخّص بضرورة قضم المزيد من الأراضي وطرد الفلسطينيين منها لتبقى أرضاً من دون سُكّان، وهنا يظهر مدى أهميّة الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس ولو باتجاه البحر، لتؤكّد من جديد أنّ المقاومة تمتلك أوراقاً يُمكن لها اللعب بها وقت تحين الحاجة.