الوقت- لا تتوقف أمريكا عن فرض املاءاتها على دول المنطقة، حيث تعمل دائماً على أن تأخذ دور الشرطي في الشرق الأوسط، وبعد أن فرضت عقوباتها على دمشق من خلال قانون "قيصر" وحاصرت الشعب السوري بلقمة عيشه بدأت تتجه نحو تهديد كل من يتعامل مع الحكومة السورية سواء دول أم شركات أم حتى أفراد، وحذّرت واشنطن على وجه التحديد الامارات وهددتها وهذا ما أثار حفيظة الاماراتيين واعتبروه تدخلاً سافراً بقرار الامارات المستقل.
يمكن ربط كل هذه الجعجعة الأمريكية بنجاح سوريا في التغلب على الارهاب على مدار السنوات الماضية وهذا ما جعل دمشق تفرض نفسها من جديد على الساحة السياسية الشرق الاوسطية وهذا آخر ما تبحث عنه واشنطن اللاهثة لإسقاط سوريا وتحويلها الى دولة فاشلة، لكن انتصار سوريا قلب جميع الموازين وهذا ما دفعها لتحقيق نجاحات على الصعيد الدبلوماسي، وبدأت الدول العربية وغيرها بالحج نحو دمشق لإعادة فتح سفاراتها وكان من ابرز هذه الدول الامارات، التي فتحت سفارتها من جديد في العام 2018 ووصف القائم بالأعمال الإماراتي في سوريا، عبد الحكيم النعيمي، الرئيس السوري بشار الأسد، بـ"القائد الحكيم"، مؤكداً قوة العلاقات وتميّزها بين بلاده وسوريا.
وقال النعيمي، خلال كلمة له أثناء الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي في السفارة الإماراتية بدمشق (2 ديسمبر 2019): إن "العلاقات السورية الإماراتية متينة ومتميزة وقوية، أرسى دعائمها مؤسس الدولة، وأتمنى أن يسود الأمن والأمان والاستقرار بسوريا، تحت ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد"
تلا ذلك افتتاح ملتقى القطاع الخاص السوري-الإماراتي، في أبو ظبي، بمشاركة وفد من رجال الأعمال السوريين من مختلف القطاعات الاقتصادية، وتم الحديث عن إقامة شركة نقل برية كبيرة ومركز صادرات سورية في الإمارات.
وشاركت شركات سورية متخصصة في مختلف الصناعات في معرض "غولفود 2020" الذي استضافه "مركز دبي التجاري العالمي" في شباط/فبراير الماضي.
وبعد تفشي أزمة فيروس كورونا المستجد في أنحاء العالم، أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اتصالاً مع الرئيس بشار الأسد، في أول اتصال معلن منذ اندلاع ما سمي بـ"الثورة السورية" عام 2011.
وقال بن زايد، عبر حسابه في "تويتر"، إنه بحث هاتفياً مع الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكد دعم الإمارات ومساعدتها للشعب السوري، معتبراً أن "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".
هذه التطورات لم تعجب الادارة الامريكية التي حذّرت الامارات على لسان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري من إمكانية تعرضها لعقوبات إذا واصلت مساعيها لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
وأوضح جيفري في مؤتمر صحفي عقده الجمعة أن الإمارات قد تخضع لعقوبات بموجب قانون قيصر المصادق عليه حديثا في الكونغرس الأميركي، وقال "الإمارات تعلم أن أمريكا تعارض بشدة تطبيع أبو ظبي علاقاتها مع الحكومة السورية".
وفي سؤال حول مساعي الإمارات لفتح سفارتها مجددا في دمشق، أجاب جيفري أن الإمارات دولة مستقلة، ويمكنها اتخاذ هذه القرارات، "لكننا أوضحنا لهم أن هذه فكرة سيئة للغاية". وتابع أن هذه الخطوات لن تساعد في تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي أو في إنهاء الصراع الذي يمثل مشكلة للمنطقة بأسرها.
وأكد جيفري أن أي شركة أو شخص سواء أكان إماراتيا أم غير ذلك، سيكون هدفا للعقوبات إذا انطبقت عليه الشروط فيما يخص الأنشطة الاقتصادية مع سوريا.
في الوقت نفسه، رد عبد الخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي على تصريحات جيفري، قائلاً: إن قانون "قيصر" الأمريكي الذي يفرض عقوبات على سوريا ودخل حيز التنفيذ، غير ملزم للإمارات، مؤكداً أن أبوظبي ستمضي في علاقتها مع دمشق.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات أن بلاده دولة ذات سيادة، وتتخذ قراراتها وعلاقاتها مع بقية الدول بناء على مصالحها الوطنية التي تعرفها أكثر من أمريكا أو من أي طرف آخر، لافتاً إلى أن دولة الإمارات من حقها أن تدير أمورها بعيداً عن أي تحذير أو قانون أمريكي أو غير أمريكي، بحسب تصريحه لراديو "سبوتنيك" الروسي.
الأكاديمي الإماراتي شدد قائلاً: إن قانون "قيصر هذا، قانون أمريكي وليس قانوناً دولياً أي أنه غير ملزم للإمارات"، موضحاً أن أبوظبي ستراعي علاقاتها مع واشنطن باعتبارها من أكبر شركائها في المنطقة، ولكن في الوقت نفسه ستمضي في علاقاتها مع الأسد.
لماذا تريد الامارات تمتين العلاقات مع سوريا؟
أولاً: سوريا خرجت من الازمة منتصرة وهذه اصبحت حقيقة واقعة على الجميع تقبلها، وذهاب الامارات نحو سوريا هو دليل قوة للجانب السوري الذي صمد واثبت ان بامكانه ابعاد شبح العزلة عن نفسه وان بإمكانه فك هذه العزلة دائما وابداً.
ثانياً: الامارات لا تريد أن تكون سوريا ملعباً للاتراك، حيث تشكل السياسة الخارجية لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهديدًا خطيرًا، ليس فقط لمصالح الإمارات، بل لمصالح المنطقة العربية عموماً. وبالتالي فإن الامارات تريد ابعاد الاتراك عن الحدود السورية لمواجهة خطر "العثمانيين الجدد".
وفيما يتعلق بمستقبل سوريا، تأمل أبوظبي أن ترى الحكومة السورية تتكامل مع العالم العربي من جديد، حتى تتمكن الدول العربية، مثل مصر والسعودية وسوريا والإمارات، من تأسيس جبهة قوية ضد سياسة أنقرة الخارجية الطموحة. ووجهة النظر الإماراتية هي أن تركيا استفادت من الانقسامات الكبرى في المنطقة العربية لمصلحتها الخاصة. ومع عمل أبوظبي على إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، بعد نحو 9 أعوام من تعليق عضويتها من جامعة الدول العربية، يمكن للإمارات أن تلعب دورًا محوريًا دور في تقليل الانقسامات الداخلية في المنطقة العربية، بما يضر بأجندة تركيا.
ثالثاً: الاقتصاد، تعد سوريا ارضا خصبة للاستثمارات الاماراتية وخاصة ملف اعادة الاعمار، وبالنظر إلى إمكانية أن يستفيد الغرباء بشكل كبير من إعادة إعمار سوريا، تتطلع الإمارات، إلى جانب الصين ودول أخرى، إلى مثل هذه الفرص. وتحاول أبوظبي استخدام قوتها الاستثمارية في مجال إعادة الإعمار لجذب سوريا بعيدا عن تركيا وبقية الدول الاخرى.