الوقت- بعد أن رست ناقلات النفط الإيرانية في البحار قبالة سواحل فنزويلا، فإن القصة المضطربة لصادرات الوقود الإيرانية إلى أمريكا اللاتينية بعد أيام من الاحتكاك السياسي بين طهران وواشنطن قد انتصر فيها أخيرًا الإيرانيين وانتهت بنهاية كارثية للبيت الأبيض..
دخلت خمسة ناقلات نفط ايرانية، واحدة تلو الآخرى وترافقهم سفن الجيش الفنزويلي، إلى موانئ بوليفيا لتسليم حمولتهم من الوقود، ولم يتمكن البيت الأبيض، على الرغم من جميع التهديدات، سوى البقاء متفرجا بعد أن تقبل الهزيمة ضد الإرادة الفولاذية للشعب الإيراني.
هذا الحدث الهام، الذي يقارنه البعض حتى بأزمة الصواريخ الكوبية لعام 1962 ، كان له بالتأكيد تأثير عميق على ديناميات النظام والسياسة الدولية، من انهيار أسس العصر الأمريكي المترابط والاعتراف بإيران كقوة دولية ناشئة إلى تعزيز خطاب المقاومة على المستوى الإقليمي، ولكن في المقام الأول، فإن نظرة على أسباب انتصار إيران وتراجع ترامب سيمهد الطريق لفهم العواقب.
أسباب تراجع أمريكا
إن فهم سبب عدم قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ سيناريو ايقاف الناقلات أو غلق الطرق أمام الناقلات الإيرانية، على الرغم من التهديدات الخطيرة التي أطلقها كبار المسؤولين الأمريكيين وخلق بيئة قانونية لمنع حركة النقل وحتى إرسال السفن الحربية إلى المنطقة، هو بالتأكيد اجراء وموقف ايراني موحد في التأكيد على رد قاطع على أي تعرض على ناقلات النفط المتجه إلى فنزويلا، وأقنعت الاستراتيجيين في البيت الأبيض بأن تصميم طهران على الرد هو جدي الى أبعد الحدود، ولذلك حذروا القادة الأمريكيين من القيام بذلك.
وبهذه الطريقة، كانت تجربة إيقاف الناقلة البريطانية "ستينا إمبرو" في المياه الإقليمية الإيرانية، رداً على تحرك مماثل قامت به لندن في التعرض لسفينة إيرانية في جبل طارق، وقبل ذلك أيضًا عندما ضُربت الطائرة الأمريكية المتطورة، كانت بمثابة عبرة لإثبات وحدة القول والفعل الايراني في الرد على المغامرات حتى وان كان بشكل غير متوازن ومبالغ فيه.
من ناحية أخرى، يعد اتخاذ إجراء غير شرعي تمامًا للتعرض وايقاف ناقلات النفط الإيرانية، الذي يعد خلافا للمعايير الدولية في المجال البحري، محاولة لزعزعة الاستقرار في النقل البحري، الذي يلعب دورًا رئيسيًا في عبور البضائع في التجارة العالمية، حيث يعود الضرر ايضا على الولايات المتحدة التي لديها تجارة من العديد من الدول.
على الرغم من تجاهل البيت الأبيض لجميع المعايير والالتزامات الدولية في ظل ادارة ترامب، لكنه مع ذلك رجل اقتصادي ورجل أعمال، ويدرك جيدا التبعات الاقتصادية للقرارات التي يتخذها، وكانت التكاليف الاقتصادية لهذه المغامرة البحرية كبيرة أيضًا بعد الغموض الذي ساد حول طبيعة الرد الإيراني.
من ناحية أخرى، فإن قرارات ترامب بشأن فنزويلا، هي مثل قضايا السياسة الخارجية الأخرى، غير مخطط لها ومتعجلة وغير مترابطة. فمن ناحية، لجأ البيت الأبيض بكل الوسائل للإطاحة بحكومة مادورو، وفرض عقوبات اقتصادية لشل الحكومة وخلق تمهيدات للاحتجاج والاضطراب في البلاد، وأن مساعيه لمنع دخول ناقلات النفط الى هذه البلاد تدخل ضمن هذا السياق. ومن ناحية أخرى، يشعر ترامب بالقلق أيضًا من عواقب الانهيار الاقتصادي لفنزويلا، والتي سترسل موجة كبيرة من اللاجئين إلى الحدود الأمريكية.
تبعات ونتائج هزيمة أمريكا
من المؤكد، سيكون لنجاح إيران في تسليم شحنات كبيرة من الوقود إلى فنزويلا، على الرغم من التهديدات المتكررة من الولايات المتحدة، عواقب دولية كبيرة.
النتيجة الأولى وربما الأكثر أهمية لهذا الحدث، هو نهاية عصر الأسس الأمريكي المترابط على المستوى الدولي. على الرغم من أن المراقبين والمحللين للشؤون الدولية كانوا يبلغون عن الحادث منذ سنوات، إلا أن الانتباه إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تستخدم جميع أدواتها لتأخير العملية واحتواء المنافسين الدوليين أثناء رئاسة ترامب، كشف عن الفشل الامريكي في مواجهة إيران.
في الواقع، على الرغم من إنفاق كل مواردها لهزيمة إيران، لم تحقق الولايات المتحدة سوى الهزائم المتتالية لها، الأمر الذي عرض هيبة الولايات المتحدة الى حرج شديد على المستوى الدولي وفند مزاعم ان البيت الأبيض هو القوة العظمى في العالم. ومن ناحية أخرى، فإن نجاح إيران في تحقيق رغباتها متجاهلة تجاهلا تاما تهديدات البيت الأبيض ودخولها في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، هي رسالة مفادها ان إيران اصبحت قوة ناشئة على المستوى الدولي، وليس فقط على مستوى المنطقة.
إن عدم فاعلية ما يسمى بالعقوبات الأمريكية الهادمة، وانتصار إرادة الأمم في شكل جبهة المقاومة والسير باتجاه التضامن لمواجهة القوى العظمى هو نتيجة أخرى لنجاح إيران وفنزويلا في التجارة على الرغم من معارضة الولايات المتحدة.
في الواقع، أظهرت قصة الناقلات أن الطريقة الحقيقية الوحيدة للدول لضمان مصالحها ضد الولايات المتحدة والغرب هي امتلاك قوة الرد والإرادة التي لا تقهر. وبطبيعة الحال، عاد ذلك بالضرر على الولايات المتحدة التي اتبعت القوة في الساحة الدولية للتعامل مع الحكومات الأخرى.