الوقت- بعدما أدى تفشي فيروس كوفيد 19 المستجد في اوروبا إلى تفاقم الخلافات داخل حدود الاتحاد الأوروبي، انتقد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بشدة مشروع الممرات الخضراء المقترح من الاتحاد الأوروبي، والذي يسمح لبعض البلدان بفتح حدود عدد قليل من الوجهات المحددة، الى ان يتم اعادة فتح الحدود بالكامل، وهدد جوزيبي بانسحاب بلاده من الاتحاد الأوروبي اذا ما أقر الاتحاد خطة السياحة المقترحة. وهذه هي المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر التي يهدد فيها رئيس الوزراء الإيطالي وحدة الاتحاد الأوروبي.
وبعد انتشار فيروس كورونا والتبعات الاقتصادية التي نجمت على اثره، بدأت مَواطن الخلل في الاتحاد الأوروبي تطفو على السطح وأصبحت تمثل تحديًا لوحدة الاتحاد الأوروبي.
الاقتصاد والسياحة في أوروبا بعد أزمة كورونا
لم يمضي أكثر من شهر واحد على انتشار فيروس كورونا في أوروبا، واذا بالإحصاءات والبيانات الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية تنذر بمأزق اقتصادي كبير سيضرب أوروبا. وكان قطاع السياحة واحدٌ من أهم قطاعات الاقتصاد الأوروبي الذي تأثر سريعا بتفشي الفيروس وانهار بشكل كبير. وقد تضرر قطاع السياحة في اوروبا خلال الشهر الأول من تفشي الفيروس، بخسائر قُدرت بأكثر من مليار يورو.
وأدى الجهل بطبيعة الفيروس وعدم القدرة على السيطرة عليه إلى تفاقم ظروف مستقبل اقتصاد اوروبا، التي تُعد ثاني أكبر بؤرة لفيروس كورونا بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وفي تقريرها الأسبوع الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن انخفاض بنسبة 7.7 في المائة في الاقتصاد الأوروبي في عام 2020.
وقال باولو جنتيلوني، عضو المجلس الاقتصادي للمفوضية الأوروبية "إن أوروبا تعاني من صدمة اقتصادية لم نشهدها منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي ظل هذه الظروف، ستكون شدة الكساد وكذلك التدابير اللازمة لتحسين الاقتصاد، صعبة للغاية."
ومع ذلك، فإن الانكماش الاقتصادي ليس سيّان بالنسبة لجميع أعضاء الاتحاد الاوروبي، حيث عانت دول جنوب اوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا أكثر من غيرها. ويعتمد 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي على السياحة، في حين تصل هذه النسبة في إيطاليا وإسبانيا إلى 14٪.
في الأسابيع الأولى من تفشي كورونا، انخفضت حجوزات الفنادق في بعض أنحاء إيطاليا بنسبة 90 بالمائة. ودفع الضغط الاقتصادي بروكسل إلى تقديم حزم اقتصادية ومقترحات اقتصادية مختلفة للتغلب على الأزمة، ولكن بعد تقديم هذه المقتراحات، ظهرت الخلافات بين الدول الأعضاء في كل مرة بطريقة تؤدي إلى إبطاء عملية صنع القرار وتثير في نفس الوقت الشكوك حول مستقبل الوحدة الأوروبية.
الخلافات الاقتصادية ومستقبل الوحدة الأوروبية
لطالما بذلت دول مثل فرنسا وألمانيا جهود كبيرة للحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي، خاصة خلال فترة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن البلدين لديهما أقوى الاقتصادات في أوروبا، لكن بعد أزمة كورونا، يبدو أنهما أقل رغبة في تقبل تكلفة الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالدول الأعضاء.
ومع بداية تفشي كورونا في إيطاليا وإسبانيا، أغلق البَلَدان "فرنسا والمانيا" حدودهما ومنعوا تصدير المعدات الطبية والصحية الى الدول الأخرى. ونتيجة لذلك تعرض المسؤولون الفرنسيون والألمان لانتقادات حادة من قبل الدول ذات الاقتصادات الأكثر ضعفًا بسبب موافقتها على حزم المساعدات.
وقالت ماريا خيسوس، المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، منتقدة أداء بروكسل "إذا فشل أعضاء الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى حلول جادة ومشتركة في الحرب ضد كورونا، ستفقد شعوب دول الاتحاد الاوروبي ثقتهم في هذا الاتحاد. »
ووجه الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتارلا انتقادات مماثلة لبروكسل. وسرعان ما انضمت البرتغال إلى صفوف الممتعضين من بروكسل، حيث حذر رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا من اهتزاز ثقة الرأي العام الاوروبي بمستقبل الاتحاد الأوروبي، بينما اتهم هولندا بتخريب الجهود العامة لتحقيق فائدة من العملة الأوروبية الموحدة. وكان وزير المالية الهولندي قد ذكر في تغريدة له على موقع تويتر، أنه يعارض اصدار سندات مشتركة.
معالجة مقطعية للاقتصاد الأوروبي
اُثير الكثير من الجدل حول تخصيص حزمة إنقاذ بقيمة 540 مليار يورو بين القادة الأوروبيين، مما أخر الموافقة عليها لمدة شهر. وهذه الحزمة في ثلاثة أجزاء؛ تقديم المساعدة للمؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم تعديل طواقم العمل وسداد القروض للبلدان المتضررة. ومع ذلك، لم تتم الموافقة على السندات الأوروبية المشتركة من قبل الدول الأعضاء.
على الرغم من أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أعربت عن موافقتها على حزمة المساعدة، التي تمتلك بلدها حصة كبيرة في دفعها، أعرب الرئيس الفرنسي، ماكرون عن عدم رضائه عن نتيجة الاجتماع، الأمر الذي يشير الى النزاعات الداخلية التي لم يتم حلها بعد داخل الاتحاد. وبعد الموافقة على الحزمة المالية الكبيرة للاتحاد الأوروبي، والتي يُنظر إليها على أنها مشابهة لخطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، كان من المتوقع إرضاء دول جنوب اوروبا والدول الأوروبية الضعيفة اقتصاديا التي كانت تهدد باستمرار الوحدة الأوروبية. ولكن هذه المرة، ظهرت الخلافات بشكل مشروع الممرات الخضراء.
وفي يوم الأربعاء الماضي، أعلن مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن حدود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، والتي تم إغلاقها بسبب انتشار فيروس كوفيد 19، سيتم إعادة فتحها للسياح. وتتيح خطة الممرات الخضراء، إمكانية زيارة الأماكن السياحية التي تم فيها السيطرة على الفيروس، بشكل انتقائي وبأعداد صغيرة.
وقالت مارجريت فيستاجر، نائبة رئيس المفوضية التنفيذية للاتحاد الأوروبي، قبل يومين، في تبرير لها حول هذه الخطة "تركز خطتنا حاليا على موسم الصيف وتستهدف الأماكن السياحة التي يود العديد من الاشخاص السفر إليها. وهذا يعني أننا بحاجة إلى اتخاذ خطوات تدريجية وحذرة للمساعدة في استئناف السفر وفقًا للمستجدات العليمة الأخيرة."
ويَعد كل من إسبانيا وإيطاليا، وهما بؤرة إنتشار كورونا في اوروبا، والذين لديهم مواقع تاريخية كثيرة للغاية، أنهم الخاسر الأكبر في خطة الممرات الخضراء في قطاع السياحة، لذلك أبدوا ردود فعل سريعة تجاه الموضوع. اذ قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في مؤتمر صحفي "نحن لا نقبل الاتفاقات الثنائية داخل الاتحاد الأوروبي التي ستخلق مسارات سياحية مميزة".
وقال بنبرة تهديد "لا يمكن ان تكون السياحة مشروطة باتفاقيات ثنائية وإلا سنغادر الاتحاد الأوروبي ولن نسمح أبدا بحدوث ذلك." لقد أثرت الاقتصادات المحلية والمصالح الحيوية للدول الأعضاء بشكل متزايد على التقارب في الاتحاد الأوروبي، مما أثار أسئلة جديدة حول فلسفة الاتحاد الأوروبي في الوجود.