الوقت- يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة انتقاداته القوية والعلنية ضد الاتحاد الأوروبي ما دفع الكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بأن ترامب يستهدف هذا الاتحاد بشكل وجودي ويسعى لتفكيكه، ما نقل أمريكا من حليفة للأوروبيين إلى أبرز خصومهم سياسياً واقتصادياً.
ترامب الذي رفع شعار "أمريكا أولاً" في حملته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، بات على قناعة كاملة أن مصلحته هي بتفكك الاتحاد الأوروبي والتعامل معه كدول وليس كمنظمة وكتلة واحدة، وبعد أن كانت أمريكا تفضّل العمل وفق منظومة جماعية وتحالفات كبيرة، فإن واشنطن في زمن ترامب تريد تقزيم كل من حولها حتى أقرب حلفائها وهو الاتحاد الأوروبي ولم تتغير نظرة ترامب الخاصة بحتمية خروج دول كثيرة من الاتحاد الأوروبي بعد أن خرجت بريطانيا، ما ساهم أكثر فأكثر في تأزيم العلاقة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي والتي وصلت إلى الشكل الحالي في مرحلة غير مسبوقة.
وفي هذا الصدد تؤكد إحدى وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب أعرب صراحة عن رغبته في انهيار الاتحاد الأوروبي خلال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخيرة لواشنطن، وبحسب صحيفة الواشنطن بوست فإن ترامب اقترح على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مقابل أن توقّع واشنطن اتفاقاً تجارياً ثنائياً مع فرنسا.
وتضيف الصحيفة الأمريكية في مقال نُشر قبل أيام إن ترامب قدّم اقتراحه أثناء زيارة ماكرون للبيت الأبيض في إبريل / نيسان الماضي، وذكرت الصحيفة أن المُقتَرح تضمّن وعداً بأن تحتوي الاتفاقية التجارية شروطاً أفضل من تلك الموقّع عليها مع الاتحاد الأوروبي، وقد رفض البيت الأبيض التعليق على التقرير المنشور، دون أن ينفيه.
كلام ترامب هذا الذي همسه في أذن ماكرون لم يلق آذاناً صاغية في قصر الاليزيه، ففرنسا التي هي عضو مؤسس ومركزي في الاتحاد الأوروبي، لن تبادر إلى هذا الخطوة وتكون سبباً في انهيار اتحاد طالما سعت إلى تعزيز بنيانه، لكن مقالة "الواشنطن بوست" حوّلت التكهنات إلى واقع، وأظهرت مدى تشكيك ترامب بالمنظمات الدولية والتحالفات بشكل عام، وكان واضحاً منذ ترشّحه للانتخابات الرئاسية، حيث صرّح عن نيته الانسحاب من حلف شمال الأطلسي، ومن اتفاقية التجارة الحرّة في أمريكا الشمالية.
وعلى الرغم من أن طلب ترامب من فرنسا مغادرة الاتحاد الأوروبي تمّ مؤخراً، إلا أن الصورة السلبية للرئيس الأمريكي ضد الاتحاد الأوروبي ليست جديدة، ومن الضروري التذكير هنا بأن أول زيارة واتصال قام بها ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض مع سياسي أجنبي كانت مقابلته مع نايجل فاراج، رئيس حزب الاستقلال البريطاني وزعيم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، في إشارة واضحة إلى موقف ترامب الداعم لليمين الأوروبي، أضف إلى ذلك الدعم القوي الذي قدّمه فريق دونالد ترامب لمرشحة اليمين الفرنسي مارين لوبان المعروفة بتأييدها لفكرة خروج باريس من الاتحاد الأوروبي، أثناء الانتخابات الرئاسية.
القضايا التجارية توسّع الهوّة بين الطرفين
بالإضافة إلى القضايا السياسية، تعتبر الأزمات الاقتصادية والتجارية بين ترامب والاتحاد الأوروبي عاملاً آخر ساهم في تعميق الانقسام بين التحالف عبر الأطلسي، إذ يتهم البيت الأبيض ألمانيا بالتلاعب باليورو، كما يتهمها بمحاولة منع استيراد المنتجات الأمريكية إلى أوروبا، وقد لوحظت ذروة الحرب التجارية بين الطرفين في زيادة التعريفات التجارية التي فرضها ترامب أولاً على الاتحاد الأوروبي وردّت أوروبا بإجراءات مماثلة، كما عمد ترامب إلى التعامل مع الاتحاد الأوروبي بمنطق المساومة في الاتفاقيات التجارية، ومن أجل تجنيب أوروبا دفع مليارات الدولارات نظير رسوم جمركية على صادراتها المتجهة لأمريكا بنسبة 25 في المئة على الصلب و10 في المئة على الألومنيوم، طالب ترامب الاتحاد الأوروبي بإيقاف كل القيود التجارية المفروضة على المنتجات الأمريكية، وهو ما ردّ عليه الاتحاد بالتهديد بفرض رسوم مضادة جديدة على منتجات أمريكية معينة وبتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية. ومضى التوتر أبعد من ذلك عندما هدّد ترامب بفرض ضرائب على استيراد السيارات الأوروبية إلى بلاده، وجولات هذه الحرب مازالت على أشدها بين الجانبين ولم تضع رحالها بعد.
خنجر أمريكي في قلب حلف الناتو
كذلك جاء قرار ترامب بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي قبل فترة بمثابة صبّ مزيد من الزيت على نار الخلافات بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، إذ فهم الأوروبيون الرسائل المبطنة التي أراد ترامب توجيهها لهم، ووصف مراسل يورونيوز التعيين بأنه رسالة صاعقة إلى أوروبا وخنجر في قلب حلف الناتو باعتبار أن لبولتون الكثير من المواقف العلنية التي يهاجم فيها حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو) ودعا مراراً وتكراراً إلى إصلاح هيكليته وضرورة إجبار الدول الأوروبية على زيادة مساهمتها في الحلف.
النظرة السلبية التي يتبناها ترامب ضد الاتحاد الأوروبي يبدو أنها تشكّل امتداداً طبيعياً للأيديولوجيا التي تعتمدها إدارته في مقاربة الأمور والمسائل الدولية، التي تعتمد مبدأ مواجهة المؤسسات والمنظمات الدولية، وأكبر دليل على ذلك انسحابها من اتفاق التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ (TPP) وانسحابها من نافتا (NAFTA) أو اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، كذلك انسحاب واشطن من اتفاقية باريس الدولية للمناخ، والاتفاق النووي مع إيران، وتوجيه انتقادات متكررة للأمم المتحدة وتحفيض ميزانيتها، كلها حقائق تؤكد أن ترامب وإدارته يبحثان عن الدول لا عن المنظمات التي يستطيعان من خلالها رسم سياسة دولية تتوافق مع المزاج الأمريكي وتتجاهل ما سواه، فواشنطن ترامب لا ترى أن مصلحتها تكمن في وجود أوروبا موحدة وقوية لأن ذلك سينعكس على الاستقرار والسلم الدوليين.