الوقت- خلال السنوات القليلة الماضية تمكنت الصين من بناء ثاني أكبر امبراطورية اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة وبدأت خلال الفترة الماضية بالتوسع شرقاً وغرباً للبحث عن أسواق جديدة لصناعاتها وهذه الامور أدت إلى نشوف توترات بينها وبين الولايات المتحدة التي خافت من أن تتمكن بكين من السيطرة على اقتصاد العالم. وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، بأن واشنطن فرضت الكثير من الضرائب الجمركية على البضائع التي تصدرها بكين إلى امريكا بعدما اجتاحت الصناعات الصينية الكثير من بلدان العالم ولا سيما الولايات المتحدة. ولفتت تلك التقارير أن بكين واجهة الامر بالمثل وقامت بفرض ضرائب على البضائع الامريكية وهذه القضية زادت من حدة التوترات بين هذين البلدين. وعقب تفشي فيروس "كورونا" في العالم، تمكنت الصين من المحافظة على مستوى اقتصادها الذي لم يتأثر كثيراً، بل أن الاقتصاد الامريكي هو الذي تأثر كثيراً بسبب تفشي فيروس "كورونا" في المدن والولايات الامريكية ولهذا فلقد كشرت واشنطن عن انيابها خلال الفترة الماضية ووجهة أصابع الاتهام لبكين واتهمتها بأنها هي التي قامت بإنتاج هذه الفيروس ونشره في العالم ولكن بكين رفضت كل تلك الاتهامات.
وفي ظل هذه التوترات عادت العلاقات الإسرائيلية الصينية إلى صدارة الواجهة السياسية لكن من البوابة الأمريكية، حيث عبرت الإدارة الأمريكية عن غضبها الشديد من تزايد الصفقات التجارية، وارتفاع منسوب المشاريع الاقتصادية، وتعاظم التعاون الأمني والعسكري بين الصين والكيان الصهيوني، وأبدت الإدارة الأمريكية غضبها وانزعاجها من حجم الزيارات المتبادلة والصفقات المشتركة بين البلدين، كما ساءتها أخيراً شحنة الكمامات والمعدات الطبية الخاصة بفيروس "كورونا"، التي شحنتها الصين إلى الكيان الصهيوني لمساعدته في مواجهة الوباء الذي استشرى بين السكان والوافدين.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض المصادر الصينية أن بكين وقعت اتفاقية مع الكيان الصهيوني لبناء أكبر محطة تحلية لمياه البحر على الشواطئ الفلسطينية لخدمة المشاريع الإسرائيلية، حيث ستتمكن هذه المحطة من تحلية أكثر من مليوني كوب من مياه البحر يومياً، وهو ما يغطي نسبة 25% من احتياجات الكيان للمياه العذبة، وذلك في ظل المتغيرات الكونية والمناخية، التي تهدد مصادر المياه، وتبشر بمزيدٍ من التصحر والجفاف في الكيان الصهيوني ومناطق كثيرة من العالم. ولكن هذه الاتفاقية يبدو أنها لم تروق لقادة البيت الابيض، حيث كشفت بعض المصادر السياسية أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" طلبت من "تل أبيب" إعادة النظر في مشاركة الصين بمناقصة لبناء أكبر محطة لتحلية المياه في العالم في كيان الاحتلال. ووفقًا تلك المصادر، فلقد سعى مسؤولو البيت الابيض، إلى الحصول على توضيحات من إسرائيل فيما يتعلق بمشاركة شركة تسيطر عليها الصين، في إنشاء أكبر محطة لتحلية المياه في العالم، والتي ستقام في قرية "بلماحيم" الساحلية وسط الدولة العبرية.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض المصادر الاسرائيلية، أن منشأة تحلية المياه المسماة "شورك 2" ستكون الأكبر من نوعها في العالم، وستكون قادرة على إنتاج 200 مليون قدم مكعب من المياه المحلاة سنويًا، وتزويد حوالي 25 بالمائة من استهلاك إسرائيل للمياه، وتبلغ تكلفة المشروع أكثر من 1.425 مليار دولار.
وفي سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، حذرت في وقت سابق إسرائيل، من تأجير ميناء حيفا إلى الصين وجاء ذلك في مشروع قانون ميزانية الدفاع للسنة المالية 2020، طرحته اللجنة على مجلس الشيوخ. وأوضح البند رقم 1289 لمشروع القانون، أن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تأجير ميناء حيفا للصين، سيما أن واشنطن لديها خطط مستقبلية حول نشر قوات بحرية متطورة في الميناء المذكور. وشدد مشروع القانون على ضرورة تحذير إسرائيل بخصوص الانعكاسات الأمنية للاستثمارات الأجنبية. ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، أبلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في مارس الماضي، أن تعزيز تل أبيب علاقاتها التجارية مع بكين سيعود بالضرر على التعاون الأمني بين الولايات المتحدة واسرائيل.
وعلى صعدي متصل، أفادت تقارير إعلامية أن مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" ووزير الخارجية "مايك بومبيو"، يضغطان على الحكومة الاسرائيلية لثنيها عن تأجير ميناء حيفا إلى الصين. وحذر مسؤولون أمريكيون العام الماضي إسرائيل من أن الولايات المتحدة ستتوقف عن استخدام الميناء حال تم تطبيق التعاقد مع الشركة الصينية، وستعاقب إسرائيل بهذه الخطوة. ووفق لتلك التقارير، فإن "ترامب" خلال اجتماعه مع "نتنياهو"، أعرب عن قلقه إزاء اختراق الصين لإسرائيل، وخاصةً أن الأولى تقيم العديد من مشاريع البنية التحتية الضخمة مثل ميناء "حيفا" الجديد، إلى جانب قلق واشنطن من قيام شركات اتصالات صينية بالدخول في مناقصات لبناء شبكات خلوية في إسرائيل. ووفقا لتلك التقارير، فإن "ترامب" قدم إنذاراً نهائيا لـ"نتنياهو" وقام بتهديده، وطلب معرفة ما يجري، وأبلغه بشكل واضح أن التعاون الأمني قد يتضرر في حال لم يتم الحد من العلاقات مع الصين.
الجدير بالذكر إن الاستثمارات الصينية داخل الاراضي المحتلة ليست قديمة، إذ بدأت حديثاً في نهاية العام 2015، وقد كانت بدايات خجولة، ولكنها استطاعت أن تكسر طبقة الجليد، وأن تقفز على ما كان محرماً عليها، وأن تبدأ في التأسيس لشراكةٍ استثمارية قد تنمو وتكبر، على الرغم من الاعتراض الأمريكي القلق من آفاق التعاون الإسرائيلي الصيني، وخطورة قيام إسرائيل ببيع الصين تقنية أمريكية خاصة في مجالات الصناعة الأمنية والعسكرية، ولهذا فهي تصر على وجود رقابة من مجلس الأمن القومي الأمريكي على شكل وحقيقة الاستثمارات الصينية، وتطلب من الحكومة الإسرائيلية الالتزام بضوابط وبروتوكولات التعاون الأمريكي الإسرائيلي، خاصةً في ظل الحرب الاقتصادية المستعرة مع الصين.
وحول هذا السياق، يقول عدد من الخبراء، إن تنامي التعاون التقني بين الصين والكيان الصهيوني، كان له الكثير من الإيجابيات الكبيرة المتمثلة في الانفتاح على الصين، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تقامر بمستقبلها وتفرط بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي أهم حليفٍ استراتيجي لها، إن هي مضت قدماً في تعميق مبادلاتها الأمنية والعسكرية مع الصين، دون ضوابط حساسة وكوابح مدروسة وتنسيق مشترك، حيث تبدي الصين نواياها بوضوح ولا تخفيها، بأنها تريد اختراق الحظر التقني الأمريكي عليها، ويضيف الخبراء أن الحكومة الصهيونية تستطيع الاستفادة من قدرات الاقتصاد الصيني المتعاظم نمواً، في حال نسقت خطواتها مع الإدارة الأمريكية، وأطلعتها على حقيقة الصفقات المبرمة والمشاريع القائمة، وإلا فإن كارثة حقيقية قد تقع على الدولة العبرية.
وفي الختام ينبغي القول أن الإدارة الامريكية لن تسمح للصين أن تدخل السوق الاسرائيلية، إلا إذا قدمت لها الكثير من التنازلات الاقتصادية في العالم وبالاخص في منطقة الشرق الاوسط التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات الصينية. ولهذا فإنه يجب علينا الانتظار لمعرفة ردة فعل التنين الصيني حول التهديدات والضعوطات التي تمارسها الإدارة الامريكية على قادة "تل أبيب".