الوقت- وجه رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، مهدي المشاط، رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع هذا الأسبوع، تحدث خلالها عن آخر التطورات التي يشهدها اليمن في ظل استمرار عدوان التحالف العربي، وعبر المشاط في ختام الرسالة عن أمله في أن يكون لروسيا بحكم موقعها وتأثيرها الدولي، دور بارز في وقف العدوان وفك الحصار عن الشعب اليمني، والعمل على إنجاز تسوية سياسية عادلة وشاملة تحقق تطلعات الشعب اليمني وتضمن الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة برمتها.
لماذا توجه المشاط إلى بوتين؟
في الآونة الأخيرة برز الدور الروسي بشكل واضح في منطقة الشرق الاوسط، حيث تغيرت مكانة روسيا الدولية بعد وصول بوتين الى سدة الحكم، واصبحت روسيا بعد بوتين تختلف عن روسيا السابقة على جميع الأصعدة لاسيما على صعيد السياسة الخارجية والمكانة الدولية، وأصبحت تشكل مع الصين عائقا كبيرا أمام مخططات الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في منطقة الشرق الاوسط، وقد رأينا كيف أدى التدخل الروسي في سوريا الى تغيير المعادلة هناك لصالح الحكومة السورية، ولا نستبعد أن تتغير المعادلة أيضا في اليمن بعد أن دخلت روسيا على خط الازمة بإشارة سعودية ورضى من "انصار الله" على ان تتولى روسيا قيادة المفاوضات بين اطراف الصراع، وحتى الآن لم تصل المفاوضات الى بر الأمان، لكنها لاتزال قائمة، حيث كشفت جماعة أنصار الله يوم السبت الماضي، عن وجود إتصالات سياسية مستمرة مع الرياض، لكنها لم تحرز تقدما باتجاه إنهاء الحرب في اليمن.
وقال المشاط، في حوار نشرته اليوم صحيفة "الثورة"، ان اتصالات "انصار الله" مع السعودية والتحالف كثيرة فضلا عن جهات دولية عديدة. وأشار إلى ان هذه الاتصالات تمر بفترات مد وجزر تبعا لتطور الأحداث "لكنها مستمرة". ولفت المشاط إلى أن "الاتصالات مع السعودية لن تأتي بنتائج إيجابية إلا إذا أتبع التحالف أقواله بأفعال".
وقال المشاط أن وثيقة الحل السياسي التي تقدمت بها "انصار الله"، تمثل مخرجاً ممكناً ومنصفاً لجميع الأطراف من أجل الوصول إلى تسوية شاملة لكل ملفات الحرب.
وأكد أن جماعته منفتحة في "علاقات ودية مع كل الدول والحكومات، وأنها ترغب بالسلام الدائم والشامل".. مشيرا إلى الرسالة التي وجهها الى الرئيس بوتين.
روسيا كانت قد دعت وفود من "انصار الله" في عدة مناسبات، وكانت تعمل على مبادرة تتضمن طرح قواعد اشتباك جديدة، من ضمنها عدم استهداف السعودية لليمن بالطيران الحربي وايقاف الغارات الجوية، في المقابل توقف حركة "انصار الله" قصف أهداف داخل السعودية، ولكن هذه المعادلة غير مقنعة ربما لأنصار الله لكون السعودية لم يعد لديها بنك اهداف في اليمن بعد ان استنزفتها خلال سنوات الحرب، والاهم ان انصار الله أصبحوا اقوى بكثير مما كانوا عليه في الماضي، فضلا عن كون استمرار استهداف اليمن من قبل السعودية يشكل ضربة قاصمة لسمعة السعودية في المجتمع الدولي.
من هذا المنطلق تجد السعودية انه لاريب من ادخال روسيا على الخط، ربما لاخراجها من وحل اليمن، من الممكن جدا الا تكون الرياض مقتنعة بهذه الفكرة خاصة وانها غير متوائمة مع علاقتها مع واشنطن، ولكن "مجبر أخاك لا بطل"، في المقابل لتقدم روسيا على مثل هذه الخطوة لابد ان يكون لها مصالح هناك نفندها بالتالي:
أولاً: في فترة حكم الاتحاد السوفيتي كانت روسيا متغلغلة في اليمن وتملك قاعدة عسكرية بالقرب من مضيق المندب الاستراتيجي والذي يشرف على الملاحة والتجارة الدولية، ولاشك بأن روسيا تبحث عن اعادة هذه الفرصة لنفسها مرة جديدة، خاصة وانها تملك اليوم قاعدة على سواحل البحر الابيض المتوسط تجعلها تتحكم بجزء من مسار الطاقة العالمية وفي حال وصولها إلى شواطئ البحر الاحمر ستكون الفرصة اكبر بكثير.
ثانياً: في منتصف 2019 أعادت روسيا تقديم رؤيتها للأمن الجماعي في منطقة الخليج إذ تعتبر الاستقرار في الخليج بالغ الأهمية للمصالح الاستراتيجية الروسية. وتلعب اليمن دوراً في خطة روسيا للأمن الجماعي وينظر إلى اليمن كمنطقة نزاع في الإقليم بين إيران والسعودية زاد التوتر بينهما مع انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الخاصة بإيران (الاتفاق النووي الإيراني). لذلك فإن روسيا تعتقد أن وجودها في المنطقة يجعل لها دور في حل المشكلات العالمية المؤثرة على مصالحها. تمكنها رؤية الأمن الجماعي في منطقة الخليج من التواجد بشكل دائم في المنطقة، وأيضاً التأثير على خطوط الملاحة الدولية المهمة.
ثالثاً:على مستوى الإقليم، تمكنت روسيا من تحقيق توازن في الخليج بعد 2015 فمن جهة عززت تحالفها مع إيران ومن ناحية أخرى أقامت علاقة جيدة للغاية مع السعودية والإمارات. يأتي ذلك على الرغم من وقوف موسكو إلى جانب الحكومة السورية ممزقاً علاقته بدول مجلس التعاون. لكن اليوم تصب الامور في صالح موسكو بعد ان بدأت العلاقات السورية_الخليجية تعود رويدا رويدا الى سابق عهدها من بوابة الامارات.
في الختام؛ في حال تمكنت روسيا من العودة الى ضفاف البحر الاحمر بالقرب من باب المندب والقرن الإفريقي وبالقرب من ممرات التجارة الدولية وخطوط نقل الطاقة، سيكون للموضوع تأثير كبير على السياسة العالمية وكذلك التجارة، لان موسكو ستزرع قواعد عسكرية هناك، ولكن عليها في البداية ايقاف الحرب لكسب الثقة من جميع الاطراف، وتعد هذه الفترة فرصة ذهبية لموسكو في ظل انشغال الولايات المتحدة بانتشار فيروس كورونا الذي عم ارجاء البلاد، ويبقى السؤال هل تتمكن موسكو من طوي صفحة جديدة في منطقة الشرق الاوسط تتنازع فيها المكانة وتتقاسمها ربما مع الصين وليس مع امريكا؟