الوقت- إن اعتقال وسجن الأمراء السعوديين البارزين، يشير إلی التطورات الواسعة خلف کواليس الديوان الملكي السعودي هذه الأيام.
في البداية، مع إعلان وسائل الإعلام الأمريكية عن اعتقالات يوم الجمعة، کثرت التكهنات حول صحة ملك السعودية البالغ من العمر 84 عامًا، لكن مصادر مختلفة تشير إلى أنه سليم عقليًا وجسديًا، وكذلك التلفزيون السعودي الرسمي ولإنهاء الشائعات، بث يوم الأحد مقطع فيديو للملك سلمان وهو يستلم أوراق اعتماد سفيرين جديدين لدى السعودية. رغم أنه لا تزال هناك شكوك حول تاريخ الفيديو.
ولي العهد الشاب والطموح لهذه الدولة الملكية، ينوي الجلوس على العرش بدلاً من والده المريض، حتى قبل وفاته. وهو عمل غير مسبوق وبدعة جديدة في تاريخ تداول السلطة في الأسرة السعودية الحاکمة منذ عام 1953، حيث تناوب علی السلطة ستة أشخاص من أبناء عبد العزيز بن سعود.
ابن سلمان وأثناء فترة ولاية عهده القصيرة، بالتزامن مع اتخاذ إجراءات جادة لإضعاف الخصوم والمنافسين، حاول من خلال خطة رؤية 2030 وتنفيذ إصلاحات وتغيرات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق ومثيرة للجدل، حاول اكتساب الدعم واسع النطاق لجيل الشباب السعودي الهارب من الصرامة الدينية، وکذلك إظهار وجهه الغربي والحديث للغربيين وجذبهم، لتوطيد أسس سلطته.
ولكن بعد الاعتقالات الأخيرة، يبدو أن ابن سلمان يشكك کثيراً في نجاح هذه الاستراتيجية. والخوف من المستقبل غير المتوقع بعد وفاة الملك سلمان، قد دفعه إلى ارتداء الرداء الملكي بأسرع وقت ممكن، للتغلب على هذا الخوف الذي يملأ نفسه.
عندما ننظر إلی سجل أعمال ابن سلمان ضد منتقديه، وخصوصاً إصدار الأمر المباشر بتنفيذ القتل البشع بحق صحفي بسيط، يمكن رؤية الأفکار النرجسية والتآمرية لابن سلمان حيال ما يحدث حوله.
من خلال اعتقال الأمراء البارزين، كان ابن سلمان ينوي إرسال رسالة قوية إلى المنتقدين في العائلة المالكة مفادها: من يجرؤ على معارضة جلوسي علی العرش؟ في الواقع، استخدم ابن سلمان هذا الإجراء کتحذير للأمراء الآخرين، ليمتنعوا عن معارضة ولي العهد.
الأمير أحمد بن عبد العزيز هو واحد من ثلاثة أعضاء فقط في هيئة البيعة، الذي عارض الانقلاب الناعم لابن سلمان ضد محمد بن نايف في عام 2017 واستلامه لمنصب ولاية العهد، وصوَّت ضده.
تتألف هيئة البيعة من 34 عضواً من 34 من أبناء عبد العزيز، والتي أسسها الملك عبد الله عام 2005 بهدف الحفاظ على الوحدة في العائلة المالكة ومنع حدوث الصراع علی السلطة. کما تتألف هيئة البيعة من أربعة أمراء بارزين في السعودية، ومهمتهم تحديد خليفة الملك إذا تدهورت صحته.
وعلى الرغم من وجود شخصية قوية مثل أحمد بن عبد العزيز، والذي بايعه العديد من المسؤولين والأمراء سراً بل حتى أناس عاديين موالين له في الفضاء الإلكتروني، إلا أنه لا يمكن أن يكون ابن سلمان واثقاً تماماً بقرارات الهيئة بطبيعة الحال.
ولکن، إذا كان يمكن اعتبار التشاؤم بشأن المستقبل سبب الإجراءات الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي، فإن جزءاً من هذا التشاؤم واقعي. حيث في الوضع الحالي، فقد ابن سلمان دعائم سلطته واحدة تلو الأخرى، ويعتمد الآن على دعم والده والقبضة الحديدية فحسب.
فمن ناحية، إن إجراءات ابن سلمان الراديكالية حول تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية، ولا سيما ترخيص مراكز المراهنة والقمار وتنظيم الحفلات الموسيقية للمغنين الغربيين والمقربين من الصهاينة، كان من الواضح منذ البداية أنها ستخلق معارضةً من قبل رجال الدين المحافظين والجماعات الدينية.
من ناحية أخرى، إن اغتيال خاشقجي والقمع واسع النطاق، خاصةً حول خلق جو من القمع السياسي وسجن وتعذيب المعارضة والنشطاء المدنيين والسياسيين، ليس فقط أثَّر سلباً علی وجهة نظر الدول الغربية، بل كان له تأثير سلبي أيضاً على نوع تعليم الطبقة الحضرية المتعلمة في السعودية، حول طبيعة ومستقبل إدارة ابن سلمان للبلاد. وهي الرؤية التي امتدت إلى الطبقات الدنيا أيضًا، مع تدهور الوضع الاقتصادي بفعل انخفاض أسعار النفط.
کما أن اعتقال الأمراء الأغنياء، وإثبات عدم القدرة على وقف الهجمات اليمنية على المراكز النفطية السعودية باعتبارها الشريان الحيوي لاقتصاد هذا البلد، قلل أيضاً شعبية ابن سلمان بين العائلة المالكة.
في هذه الظروف، إن هزيمة ترامب وفوز رئيس ديمقراطي مثل ساندرز أو بايدن، يمكن أن يكملا دومينو المشکلات لولي العهد لتعزيز مكانته كملك في المستقبل. وهكذا، فإن الاعتقالات الأخيرة تظهر أن ابن سلمان يجد نفسه الآن وحيداً، ويری أن سفينة أحلامه في الوصول إلی العرش تغرق قبل أن تصل إلى بر الأمان.