الوقت - بعد انسحاب جزء كبير من القوات الأمريكية من سوريا تغيرت المعادلات الميدانية بسرعة. حيث أدى قيام تركيا بعملية نبع السلام إلى مزيد من التنسيق بين القوات الكردية وبين الجيش السوري في بعض مناطق شمال شرق سوريا. ومن جهة أخرى، يسعى الجيش السوري بدعم روسي منذ ديسمبر إلى استعادة إدلب وتطهيرها من الإرهابيين مثل جبهة النصرة. وخلال الأيام الأخيرة ، ازدادت المواجهات العسكرية في إدلب وتبعها حرب كلامية بين تركيا وروسيا.
الوضع الميداني
بعد ابرام اتفاق سوتشي في عام 2018 مع موسكو أقامت تركيا نقاط مراقبة في محافظة ادلب في شمال غرب سوريا. ويقول مسؤولو أنقرة إن الجيش السوري يحاصر حوالي أربعة من نقاط المراقبة التابعة لها. وذكرت صحيفة "القدس العربي" في أحدث تقرير لها أن عدد نقاط المراقبة التركية المحاصرة يتراوح بين 5 و 7 نقاط. ووفقاً لتقرير القدس العربي، حاصرت القوات الحكومية السورية نقطتي مراقبة في تل العيس والراشدين شرق طريق حلب - دمشق الدولي (M5). لكن أحد أهم التطورات الميدانية في سوريا هو السيطرة على الطريق الدولي بين حلب ودمشق (M5)، والذي حاصره الجيش السوري منذ يوم الجمعة. حاولت روسيا إقناع تركيا بفتح هذا الطريق السريع بالكامل ، ولكن بعد رفض تركيا ، نشبت معركة جديدة أدت إلى سقوط معرة النعمان بيد القوات الحكومية.
تتمركز القوات الحكومية على بعد 3 كيلومترات من مدينة أتارب إحدى القواعد الإرهابية الرئيسية في شمال البلاد. ومع ذلك، ذكرت صحيفة رأي اليوم في تقريرها قبل يومين: "لقد استقدمت تركيا أكثر من 70 دبابة وحوالي 200 مركبة مدرعة و80 مدفعية وزودت جبهة النصرة الإرهابية بجزء من تلك المعدات ". ان أحد أخطر الاجراءات التركية هو تسليم الإرهابيين أسلحة مضادة للطائرات التي تستخدمها السفن التركية. وبحسب مصادر عسكرية روسية وقع بيد الإرهابيين أنظمة دفاع جوي أمريكية تستخدم في السفن التركية. كما تستخدم القوات المسلحة في منطقة خفض التوتر أسلحة مضادة للطائرات محمولة على الكتف. كما يعزز الجيش التركي نقاط التفتيش التابعة له في منطقة ادلب بقوات كوماندوز خاصة.
ولكن مع تصاعد التوترات في اطراف إدلب ، زادت الحرب الكلامية بين روسيا وتركيا. حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بهجمات إدلب، "إن القوات الحكومية السورية والروسية تستهدف المدنيين بشكل متعمد وليس الإرهابيين". هدفهم هو احتلال هذه المنطقة لإجبار السكان هناك للتحرك نحو حدودنا ". وقد تم رفض هذه الاتهامات من قبل المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، كما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في وقت سابق أن تركيا لم تفصل مقاتلي المعارضة عن الإرهابيين.
امتد نطاق الحرب الكلامية إلى الشأن الليبي أيضاً؛ حيث قال أردوغان للصحفيين بعد عودته من باكستان: "لدى تركيا طاقم تدريب واستشاري في طرابلس، لكن الجانب الآخر ، الذي يقف إلى جانب الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، لديه 2500 مرتزقاً روسياً (فاغنر) في هذا البلد". واكد أردوغان أن روسيا تقاتل على أعلى مستوى في ليبيا، قائلاً: "هناك 10 الاف مقاتل من عدة دول يقاتلون إلى جانب حفتر، بمن فيهم 5000 سوداني وعناصر من التشاد و 10 الاف جندي من دول أخرى". ورداً على تصريحات أردوغان قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على هامش مؤتمر ميونيخ،" ان مثل هذا الادعاء لا تطابق مع الوضع الحقيقي في ليبيا. أنا لا أعرف من أين أتى رئيس تركيا بهذه المسألة وعلى أي أساس قال ذلك؟ ".
موقف الغرب
مع تصاعد التوترات في إدلب وتغير المعادلات الميدانية ، تحاول الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى دائمًا للاستفادة من هذا الوضع، تطمين أردوغان بالاستمرار في الحفاظ على مصالحه في غياب قواتها في المناطق المتوترة. وقبل يومين اعرب ترامب عن قلقه في مكالمة هاتفية مع أردوغان ازاء "العنف في إدلب" وحث روسيا على عدم دعم "وحشية" حكومة بشار الأسد. ووفق البيت الأبيض قال ترامب في ادعاء غريب أنه "يريد أن يرى نهاية الدعم الروسي" للرئيس السوري بشار الأسد. لكن السياسة الحقيقية لترامب هي رفع معنويات أردوغان دون تقديم ضمانات لكي يبقي تركيا في التوتر السوري دون ان يدفع البيت الأبيض اي ثمن ، كما شكر ترامب أردوغان على جهوده لتفادي وقوع كوارث إنسانية.
بالتزامن مع تلك التطورات عقد اجتماع بين وزير دفاع تركيا وحلف شمال الأطلسي في مؤتمر ميونيخ. حيث دان قبل بدء هذا الاجتماع هجوم القوات السورية والروسية على ادلب ودعا الى الوقف الفوري لهذه الهجمات ووصف تطورات إدلب بأنها مقلقة للغاية وقال: "إن تركيز الهجمات على المدنيين تسبب في تشريد مئات الآلاف". كما قدمت ألمانيا مساعدات مالية لتركيا لدعم النازحين في إدلب.
المحادثات السياسية
على الرغم من أن تركيا هددت بتوسيع الهجمات العسكرية على مواقع القوات السورية ، إلا أنه بالتزامن أجريت مشاورات منذ الأسبوع الماضي بين روسيا وتركيا حول الوضع في إدلب. بداية تم تقديم مقترح التفاوض بشأن الوضع في إدلب من قبل وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو. في الجولة الأولى من المحادثات ، وبعد ثلاث ساعات من المحادثات بين المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين والاستخباراتيين الروس والأتراك في أنقرة حول الإجراءات اللازمة لتخفيف سوء الاوضاع في منطقة إدلب السورية ، أجل الجانبان استمرار المحادثات إلى الأسبوع التالي. كان تركيز هذه المحادثات على الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان ارساء السلام على "الجبهات" ودفع عملية التسوية السياسية في منطقة خفض التوترات في ادلب. بالطبع قام أردوغان أيضاً بزيارة استفزازية إلى أوكرانيا للضغط على روسيا ، مما أثار ردة فعل حادة من قبل موسكو.
ولكن إلى جانب الحرب الكلامية بين الجانبين تجري مفاوضات مكثفة لمنع الجانبين من المواجهة غير المقصودة. واعلنت وزارة الخارجية الروسية ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التقى مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على هامش مؤتمر ميونيخ يوم الأحد 16 فبراير. واستمراراً للمشاورات السياسية ، زار وفد سياسي تركي برئاسة مولود جاويش اوغلو موسكو يوم الاثنين 17 فبراير وذلك للتوصل إلى اتفاق نهائي.
على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا ان تشاويش أوغلو قال في مقابلة مع صحيفة إزفيستيا الروسية إنه لم يتم القيام بتقدم كثير في هذا المجال، وما زلنا نتعاون بشكل فعال مع الجانب الروسي في هذه القضية. وأكد أن الجانب التركي سيعلن عن موقفه النهائي، بعد المباحثات التي سيجريها وفد تركي مع الجانب الروسي في موسكو. وأضاف، يجب علينا ألا نسمح للأزمة السورية، أن تؤثر على التعاون البناء بين تركيا وروسيا وتؤثر سلباً على علاقات البلدين. تحاول تركيا الحفاظ على نقاطها المراقبة لكن روسيا ترى ان الحفاظ على نقاط المراقبة المحاصرة بالقوات الروسية والسورية في المناطق المحتلة لا اهمية له ويجب على تركيا التوقف عن دعم الجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة".
تسعى روسيا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية إلى إبعاد أنقرة عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من خلال تسليم تركيا أنظمة S400 ومقاتلات سوخي 35 الاستراتيجية وبناء محطة للطاقة النووية في تركيا. هذا التعامل الثنائي بين تركيا وروسيا يعود بالنفع على أنقرة أيضًا لأنه لا يوجد تطابق تام بين مصالح تركيا والغرب في الشرق الأوسط وسوريا، والتقارب من روسيا يمنح تركيا المزيد من الاستقلال عن الغرب. لكن من جهة، ليست تركيا في وضع يسمح لها بمواجهة عسكرية كاملة مع القوات الروسية والسورية في سوريا لأنها لا تحظى بالدعم الكامل من الغرب ، ومن جهة أخرى، فإن هكذا اجراء سيلحق أضرارا بمصالح تركيا لا يمكن تعويضها في ظل الوضع الحالي في المنطقة.