الوقت- لقد كان للانتصارات الكبيرة التي حققها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية خلال الفترة القليلة الماضية أثراً بالغاً على معنويات قوات تحالف العدوان السعودي وقوات الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" ولقد تمكنت تلك الانتصارات المتتالية من قلب جميع المعادلات السياسية على الساحة اليمنية وأدت إلى نشوب العديد من الاضطرابات في العلاقات بين اللاعبين الرئيسيين في هذه الحرب التي تقودها السعودية ضد أبناء الشعب اليمني. كما أن هذه الانتصارات التي حققها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" كان لها تأثير سلبي على المرتزقة الأجانب والمحليين الموالين للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لدرجة أن هذه القوات المعادية اُجبرت في نهاية المطاف على تغيير خططها وأهدافها الإستراتيجية في اليمن ومن بين أهم هذه التغييرات قد يكون تركيز المملكة العربية السعودية على السيطرة على المناطق الجنوبية اليمنية، والتي يحكمها على ما يبدو قادة موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة.
في الواقع، لقد رأت المملكة العربية السعودية نفسها في الآونة الاخيرة الخاسر الرئيسي في المعادلات السياسية والميدانية اليمنية ولهذا فلقد قامت خلال الفترة الماضية بإنفاق مئات المليارات من الدولارات من أجل إيجاد موضع قدم لها في المناطق الجنوبية إبان انسحاب القوات الإماراتية من تلك المناطق وفي وقتنا الحالي تحاول الرياض الهروب من المناطق الشمالية اليمنية وذلك بسبب خوفها من التهديدات العسكرية الواسعة النطاق التي أطلقها أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" ضد الهجمات والجرائم التي قامت بها الطائرات الحربية السعودية في عدد من المناطق الشمالية. الجدير بالذكر أن الاحداث الاخيرة أثبتت للعالم أجمع بأن حكومة "منصور هادي" المستقيلة حكومة غير شرعية ولا تمتلك السلطة لا في الشمال ولا في الجنوب وهذا الامر أكد للعالم بأن العمل العسكري التي تقوم به قوات تحالف العدوان السعودي المدعوم من الغرب تحت ذريعة دعم شرعية "حكومة منصور هادي" عمل غير قانوني وفقاً للاعراف والقوانين الدولية وهذا الامر بدوره، دفع المملكة العربية السعودية إلى اقامة مفاوضات بين الاطراف اليمنية المتصارعة في الجنوب والخروج باتفاق الرياض بين "منصور هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي وذلك الحفاظ على ماء وجهها أمام العالم.
وفي هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الاخبارية أن هناك العديد من العلامات التي تشير إلى حدوث انفراجة في اتفاق الرياض الذي ظل حبرا على ورق لمدة طويلة، حيث تم الاتفاق مؤخرا على تقسيم السلطة بين طرفي النزاع في جنوب اليمن، بحيث يحصل المجلس الانتقالي الجنوبي على 12 مقعداً وزارياً وحكومة "منصور هادي" المستقيلة تحصل أيضا على 12 مقعداً وزارياً. ولكن المجلس الانتقالي الجنوبي قام خلال الفترة القليلة الماضية بالاعتراض على ما سماه نكث وعرقلة حكومة "منصور هادي" والمملكة العربية السعودية لما تم الاتفاق عليه في الرياض، وفي هذا السياق، كتب "صالح الجبواني" وزير النقل اليمني في حكومة "منصور هادي" المستقيلة في صفحته على تويتر قبل عدة أيام، "قامت الإمارات وميليشياتها المنتشرة في مدينة عدن الجنوبية ببذل الكثير من الجهود خلال الفترة الماضية لإفشال اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه قبل عدة أسابيع بين حكومة الرئيس اليمني المستقيل منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في عاصمة المملكة العربية السعودية". وفي وقت سابق، اتهم "راجح بادي"، المتحدث باسم الحكومة اليمنية القابعة في فنادق الرياض، المجلس الانتقالي الجنوبي بانتهاك اتفاق الرياض عن طريق منع مرور ميليشيات يمنية تابعة لـ"منصور هادي" كانت في طريقها إلى محافظة "لحج" الجنوبية.
الجدير بالذكر أن هذه النزاعات أدت إلى تجدد الاشتباكات العسكرية بين الطرفين في الأيام الأخيرة ويوم أمس الاثنين، نظم المئات من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات العربية المتحدة في عدن مظاهرة أمام قنصلية الرياض في مدينة عدن، وحمل المتظاهرين اعلام دولة الجنوب ولافتات تطالب المملكة العربية السعودية و"محمد بن سلمان" بالرحيل من المناطق الجنوبية. وهذا الحدث الذي لا يُعد ظاهرة جديدة، يعتبر مهم للغاية خاصتا في الوضع الحالي وذلك لأن المعادلات الميدانية في اليمن تغيرت كثيراً عقب الهزائم التي منيت بها قوات تحالف العدوان السعودي على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية في المناطق الشمالية من اليمن.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاخبارية بأن تنظيم هذه المظاهرات جاء من قبل اعضاء ينتمون إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، ولفتت تلك التقارير إلى أن "عبد الرحمن غاندي"، رئيس المكتب الشعبي للمجلس الانتقالي الجنوبي هو من قام بإدارة تلك المظاهرات المناوئة للسعودية. وذكرت تلك التقارير أن هذا المجلس الانتقالي يعيش تحت تأثير الإمارات العربية المتحدة بالكامل، لذلك سيكون من الممكن تخيل الدور الذي لعبته "أبو ظبي" وراء الكواليس وأضافت تلك التقارير أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت في عام 2017 عقب اصدار "منصور هادي" قرار بعزل "عيدروس الزبيدي" من منصبه كمحافظ لمحافظة عدن، بإنشاء هذا المجلس الانتقالي الجنوبي ونصبت عليه "الزبيدي" رئيسا. يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت رسمياً انسحابها الكامل من اليمن أواخر الأسبوع الماضي وبحسب بعض المصادر الميدانية فلقد قامت المملكة العربية السعودية بنقل الكثير من المعدات العسكرية الثقيلة والخفيفة إلى عدد من المدن الجنوبية، وذلك من أن أجل أن تساعد قوات "منصور هادي" على إحكام سيطرتها على المدن الجنوبية والقضاء على المجلس الانتقالي الجنوبي. يذكر أن الإمارات العربية المتحدة لم يكن لها أي دور في المحادثات القائمة بين المملكة العربية السعودية وحركة "أنصار الله" لإنهاء الحرب، وهذا الامر يؤكد بأن الإمارات العربية المتحدة أصبحت متشائمه من حليفتها السابقة (الرياض).
وفي سياق متصل، ذكرت العديد من وسائل الاعلام الجنوبية بأن غياب القوات الجنوبية في تلك المفاوضات بين الرياض وحركة "أنصار الله"، يرجع إلى أن الجنوبيون يعلمون جيدا بأن التدخل السعودي في اليمن لم ولن يخرج بشيء مفيد لليمنيين ويعلمون جيدا بأن الرياض دأبت على دعم شمال اليمن في السنوات التي سبقت الوحدة اليمنية التي تم التوقيع عليها بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي في عام 1990. لذلك، تعين على قادة المجلس الانتقالي الحفاظ على صورتهم بين الجنوبيين، وإظهار معارضتهم لدور المملكة العربية السعودية في الجنوب، ولهذا فلقد دعا اعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي خلال الفترة القليلة الماضية إلى طرد جميع القوات الأجنبية من الجنوب وخاصتاً القوات السعودية.
وفي الختام يمكن القول إن أحد أهم أسباب الانتفاضات المتكررة للجنوبيين ضد المملكة العربية السعودية في المناطق الجنوبية اليمنية هو فشل الرياض في التستر عن هزائمها التي منيت بها خلال الفترة القليلة الماضية على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وقيام الرياض بدعم بعض الجماعات السلفية الوهابية مثل "داعش" و"القاعدة" في الجنوب لتخفيف التهديدات الجيوسياسية التي تحيط بها في الكثير من المناطق اليمنية.