الوقت- خلال زيارته القصيرة للأراضي الفلسطينية المحتلة للمشاركة في الذكرى الخامسة والسبعين للمحرقة النازية التي أقيمت يوم الاربعاء الماضي في مدينة القدس الشريف بحضور حوالي 50 زعيماً وقائد دولة، التقى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مع "محمود عباس"، رئيس السلطة الفلسطينية في مدينة "بيت لحم" الواقعة على بعد عشرة كيلومترات من مدينة القدس الشريف، وناقش الجانبان آخر التطورات على الساحة السياسية الفلسطينية وخلال ذلك الاجتماع تقدّم الرئيس "محمود عباس" بالشكر للرئيس الروسي على دعمه السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني وقال، "إنهم ناقشوا مع الرئيس الروسي الجهود الخبيثة التي تبذلها إسرائيل لضم مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية إليها ولتنفيذ "صفقة القرن" التي رسمها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمستقبل الأراضي المحتلة. ووصف الرئيس "عباس" الرئيس "بوتين" بأنه "صديق عزيز للشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي "لا يترك فرصة أبداً إلا ويتحدث فيها عن القضية الفلسطينية أو يقوم بدعمها ومساعدتها". وقال "عباس"، إن "هذه الزيارات، سواء إلى فلسطين أم إلى موسكو، مهمة بالنسبة لنا، من أجل أن نتشاور في كل القضايا التي تهمنا".
وفي سياق متصل، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية أن الرئيس "بوتين" قال خلال هذا الاجتماع، إن "موسكو مستعدة لتعزيز تعاونها مع الدولة الفلسطينية"، وأكد على أنه كان هناك علاقات طيبة بين البلدين يشهد لها التاريخ، حيث قال، إن "العلاقات الروسية الفلسطينية لها جذور طويلة، نحافظ على العلاقات في مختلف المجالات وقد ذكرتها للتو، نحن مستعدون لزيادة هذا التفاعل". وأضاف رئيس روسيا الاتحادية: "هذا يتعلق بالاقتصاد، والمجال الإنساني، وهذا بالطبع يتعلق بقضايا مرتبطة بالتسوية الإسرائيلية، أنا أفهم مخاوفك في هذا المجال". وأعرب "بوتين" عن سروره بالقدوم إلى بيت لحم للتشاور مع الرئيس الفلسطيني في عدد من الملفات. ولذلك، يمكن القول أن هذه الزيارة الرسمية الروسية للأراضي الفلسطينية مهمة للغاية لكلا الطرفين وذلك لأنه بالتأكيد ستحاول السلطة الفلسطينية تعزيز موقعها ومكانتها عند الرأي العام الفلسطيني وكذلك في العالم العربي لتمثيل القضية الفلسطينية وربما كسب دعم موسكو في التطورات المستقبلية.
وفي الصعيد نفسه، صرّح "نبيل أبو ردينة" الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، أن "زيارة بوتين إلى "بيت لحم" دليل على العلاقات المتطورة بين البلدين". وأشار "أبو ردينة" إلى أن روسيا اعترفت بدولة فلسطين منذ قيامها ولدينا مكاتب لمنظمة التحرير منذ الستينيات في موسكو، واستمرت هذه العلاقة وكانت متطورة وتاريخية وما زالت، ولدينا مشاريع كثيرة مشتركة في المجال السياسي والدبلوماسي والعملي. وذكر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، أن اللقاء بين "عباس" و"بوتين" له أهمية كبيرة ورسالة من الرئيس الروسي إلى إسرائيل والعالم بأسره أن روسيا تقف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقه المتمثل بحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لها. ومن جهته قال سفير فلسطين لدى روسيا "عبد الحفيظ نوفل"، إن "زيارة الرئيس بوتين ولقائه رئيس السلطة محمود عباس، تأتي في ظرف استثنائي في ظل الإجراءات الإسرائيلية، المتمثلة باستمرار الاستيطان، وتهويد القدس وحصار غزة والحديث عن ضم المستوطنات، إضافة الى قرارات الادارة الامريكية المتحيزة للاحتلال". وأضاف السفير "نوفل" إن الزيارة تؤكد موقف روسيا الثابت والمتمثل بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967
ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون هذه الاجتماعات فعّالة للغاية في تعزيز موقف روسيا و"فلاديمير بوتين" لدى الرأي العام في العالم العربي وعلى سبيل المثال، عندما سقطت قبعة حارس الأمن الفلسطيني على الارض أثناء مراسم استقبال الرئيس "بوتين"، قام هذا الاخير باخذها من الارض ووضعها فوق رأس الجندي وهذه المشاهد أظهرتها مقاطع فيديو انتشرت بسرعة في جميع انحاء العالم العربي والغربي وهذا الخطوة التي قام بها "بوتين" تدل على عمق إتقان هذا الرئيس الروسي في استخدام الأدوات اللينة للتأثير على الرأي العام في العالم العربي والغربي. ومع ذلك، فإن العديد من الخبراء السياسيين يرون بأن دخول روسيا الجاد للعالم العربي يرجع إلى وجودها ومشاركتها العسكرية المباشرة في الحرب ضد تنظيم "داعش" الارهابي في سوريا.
وفي سياق متصل، يمكن القول أن الروس يدركون جيدًا أنه لا يوجد شيء أكثر فاعلية في تعزيز قوة روسيا الناعمة لدى الرأي العام العربي من أن تكون أكثر نشاطًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، وإذا كانت موسكو تريد وجودًا أكثر قوة وطويل الأجل في غرب آسيا، فإنه ينبغي على القادة والمسؤولين الروس أن يكونوا أكثر نشاطاً في التعامل مع القضية الفلسطينية. ومع ذلك، ونظرا لأن الروس تربطهم علاقات سياسية وأمنية واقتصادية واسعة مع الكيان الصهيوني، فإنهم لم يتفاعلوا بجدية مع الإعلان عن أن مدينة القدس أصبحت عاصمة للأراضي المحتلة ومع نقل السفارة الأمريكية إلى هذه المدينة، وذلك لأنهم يدركون جيدًا أنهم لو قاموا بمثل ذلك العمل فإن مكانتهم لدى الرأي العام العربي سوف تنزل إلى الحضيض وذلك لأنهم يرون إلى أي مدى يتعطش العالم العربي لشكل من أشكال القوة التي يمكنها الوقوف في وجه ضغوط حكومة أمريكا الجديدة وحكومة "بنيامين نتنياهو" المتطرفة.
وعلى الرغم من أن جميع المتعاطفين الحقيقيين مع الأمة الفلسطينية في جميع أنحاء العالم يعرفون جيداً أنه لا توجد وسيلة أخرى لإنقاذ مدينة القدس الشريف سوا المقاومة والوقوف بشجاعة في وجه اعتداءات الكيان الصهيوني، إلا أن دخول روسيا وتعاملها بالحد الأدنى من الدبلوماسية إلى القضية الفلسطينية في وقت كان فيه الحكام العرب أو العملاء العرب خاضعين للأوامر الامريكية أو أنهم يقومون في الخفاء بتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، سوف يعزز مكانة موسكو لدى الرأي العام العربي الذي سيعتبر الرئيس "بوتين" بأنه المنقذ للقضية وللشعب الفلسطيني. ومن هذا المنطلق أدرك الروس جيدًا أن نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس وإعلانها كعاصمة لإسرائيل سوف يؤثر سلباً على مكانة واشنطن لدى الرأي العام لدول المنطقة، ولهذا فلقد قررت موسكو المضي قدماً واستغلال القضية الفلسطينية من أجل زيادة نفوذها عند الرأي العام العربي والاستعانة بها كأداة قوة ضد إسرائيل وأمريكا في سياساتها الإقليمية.
ومع ذلك، على الرغم من أنه يمكننا القول أن هناك توازن جديد يتم تشكيله حول القضية الفلسطينية، إلا أنه ما زال من السابق لأوانه الحكم على نتائج هذا الاجتماع الروسي الفلسطيني، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان التوازن الجديد قد أحدث تغييرات ملموسة لمصلحة الشعب الفلسطيني أم لا؟.