الوقت- بعد إدراج حزب الله العام الماضي تحت بند المنظمات الإرهابية، أعلنت وزارة الخزانة البريطانية تصنيف منظمة حزب الله بجميع أجنحتها جماعة إرهابية، مقرّرةً تجميد أرصدة الحزب.
لا شكّ أن حزب الله لا يملك أيّ أرصدة في بريطانيا، ولا في أوروبا، بل إنه لا يمتلك أي أرصدة في البنوك اللبنانية حيث إن عملياته المالية خاص النظام المالي العالمي. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، يدفع الجميع للتساؤل عن أسباب هذه الخطوة البريطانيّة حيث كانت لندن تصنّف الجناح العسكري للحزب فقط في قائمة الإرهاب.
تأتي الخطوة الحالية امتداداً للخطة التي تمّ اتخاذها في العام 2019 عندما صنّفت وزارة الداخلية حزب الله منظمة إرهابية، لتنضمّ إلى كل من أمريكا والكيان الإسرائيلي اللذين يصنّفان الحزب بكل اجنحته في قائمة الإرهاب، في ظل وجود معارضة أممية لمثل هذه الخطوة.
إن الخطوة الأخيرة تستدعي التوقّف ملياً عند أبعادها وتبعاتها، لاسيّما أنها تعدّ اعتداءً على السيادة اللبنانية كونها تستهدف فئة انتخب ديموقراطياً من قبل الشعب اللبناني، وهنا نشير إلى التالي:
أولاً: تأتي الخطوة البريطانياً إمتثالاً للأوامر الأمريكية حيث أن واشنطن صنّفت حزب الله منظمة إرهابية بكافّة أجنحته. لا يقتصر الموقف الأمريكي على دعم الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، بل يسري هذا الأمر على كافّة القضايا الأخرى، لاسيّما تلك التي تهم واشنطن، ومنطقة الشرق الأوسط الغنيّة بالنفط على وجه الخصوص.
ثانياً: تدرك بريطانيا جيّداً أن هذه الخطوة الجديدة لن تؤثر عملياً على حزب الله، فلو كان لدى الحزب أي أرصدة في بريطانيا بإمكان واشنطن تجميدها، الأمر الذي يعزّز فرضية التبعية البريطانيّة الجديدة لأمريكا. يقول محلل الشؤون الدفاعية والدبلوماسية في بي بي سي، جوناثان ماركوس، أنه لا يحتمل أن يكون للجناح السياسي لحزب الله الكثير من الأصول المالية في بريطانيا. ويضيف إن الإجراء الجديد قد يهدف إلى مزيد من الضغط على إيران وحلفائها، مثل حزب الله، خاصة مع التوتر الموجود حاليا في المنطقة. ولكن لا يتوقع أن يكون له تأثير كبير.
ثالثاً: إن القرار الجديد يعدّ انتهاكاً للمواثيق الدوليّة، فضلاً عن كونها انقلاباً على نتائج الانتخابات الأخيرة. لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة مستوى الشعبية التي يتمتّع بها الحزب، وبالتالي يعدّ هذا القرار تعدّياً واضحاً على سيادة لبنان. وبالتالي، لا نستبعد أن تلحق بريطانيا بأمريكا بفرض عقوبات على الجهات التي تتعاطى مع الحزب أيضاً. يتوجّب على بريطانيا أن تحترم سيادة الشعب اللبناني، وألّا تنجرّ خلف واشنطن بما لا يصب في مصلحة الشعب البريطاني.
رابعا: لا يشارك الجيش البريطاني في قوات الطورائ الدوليّة التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفل)، وهذا أحد أسباب صدور هذا القرار، في حين أن الاتحاد الأوروبي لن يلجأ إلى هذه الخطوة بسبب وجود قوات إيطالية وفرنسية وأسبانيّة في لبنان، ولعل هذه الدول هي التي كانت خلف الفيتو على تغيير مهمّة قوات "اليونيفل" الذي كانت تسعى إليه إدراة ترامب بتحريض إسرائيلي.
خامساً: إن هذا القرار العدواني الذي تريدي أن تستعيد فيه بريطانيا أمجادها ينمّ عن عجز غير مسبوق لدى كل من واشنطن ولندن، لاسيّما أنه لا يُلزِم أياً من دول المجتمع الدولي، لأنه غير صادر عن مجلس الأمن. بعد فشل واشنطن في استصدار قرار عبر بوابة مجلس الأمن، تلجأ اليوم إلى الخطوات الفرديّة التي تتعارض مع القانون الدولي، وتفرض الضغوط على حلفائها للانخراط في هذا المشروع خدمة للكيان الإسرائيلي.
سادساً: إن هذه الخطوة تفرض على الحكومة اللبنانية أن تقوم بردّ فعل سريع،لا سيّما أن الخطوة البريطانية تستهدف عزل شريحة شعبية واسعة. إن سكوت الحكومة اللبنانية سيدفع بالجهات الخارجيّة لممارسة المزيد من الضغط على لبنان، وبالتالي تعكير الأجواء اللبنانية وتوجه ضربة قوية لكافّة القطاعات الاقتصاديّة، وهذا ما تريده واشنطن لترهيب الناس. في الحقيقة، وبعد فشل رهان واشنطن والكيان الإسرائيلي على الانتخابات النيابية في لبنان، يمارسون اليوم سياسة الترهيب حيث يريدون إيهام الناس بأن حزب الله هو المسؤول عن تردّي الأوضاع الاقتصادية، ولكن يدرك جميع اللبنانيين أن الحزب أولاً لم يكن شريكاً في ارتفاع الدين العام ومقاربته لحدود الـ100 مليار دولار، وليس آخراً أن الحزب بعيد عن منظومة المصارف في لبنان، وبالتالي هذه العقوبات تريد استهداف البيئة الحاضنة لترهيبها قبل أي طرف آخر.
سابعاً: تدرك الحكومة البريطانيّة أنه حتى الجناح العسكري لحزب الله هو جناح مقاوم، ومشروع في القانون الدولي، ولا يقوم باستهداف المدنيين. وبالتالي فإن الخطوة الأخيرة هي بسبب المكانة التي يحظى بها الحزب في لبنان والمنطقة، لاسيّما بعد الدور الكبير الذي لعبه في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في كل من سوريا والعراق.
عوداً على بدء، إن الخطوة العدوانيّة البريطانيّة تكشف عجز كل من أمريكا وبريطانيا في استصدار قرار أممي ضد حزب الله. الخطوة الجديدة التي تستدعي ردّ حاسم من الحكومة اللبناني، تستهدف بشكل رئيسي البييئة الحاضنة وكل من يتعاطف مع حزب الله كونه لا يملك أي أرصدة بنكية في لبنان والخارج، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي تبعات هذه الخطوة على بريطانيا؟ ماذا يعني أن تجعل بريطانيا من وزارة خزانتها غرفة عمليات عدوانية تجاه المنطقة؟ تبقى الإجابة برسم الزمن.