الوقت- لا شك في أن الهبوط الأخير في أسعار النفط - من 115 دولاراً للبرميل في حزيران/يونيو 2014 إلى أقل من 50 دولاراً الآن - يهدّد استقرار العديد من الدول الخليجية. "الهبوط النفطي"، وعلى العكس من الطفرة النفطية لهذه الدول في العام 2008 عندما وصل البرميل إلى عتبة 140 دولار أمريكي، يحمل في طياته جملةً من التبعات الكارثية على هذه الدول، بإعتبار أن إقتصادها نفطي بإمتياز.
لطالما تأثرت أسعار النفط سلباً بالاوضاع والتهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط حيث جرت العادة أن ترتفع أسعار النفط مع اضطراب أوضاع المنطقة بينما تنخفض في الحالة الطبيعية، ولكن ما نشهده اليوم هو العكس تماماً إذ أن العراق وليبيا وهما مصدران كبيران للنفط يشهدان حروباً، والسعودية تشن عدواناً شرساً على الشعب اليمني، ورغم ذلك انهارت اسعار النفط . وفي الواقع، عند تتبع الأسباب الحقيقية لهذا الإنخفاض يتضح أن السعودية وتنظيم داعش الإرهابي يلعبان دوراً كبيراً فيه.
السعودية، وبهدف «كسر» إيران وروسيا زادت من إنتاجها النفطي ما أثر سلباً على الأسعار النفطية وفق معادلة العرض والطلب، كذلك هدفت السعودية من خلال هذه الخطوة لضرب شركات النفط الصخري الأمريكية، في المقابل يمتلك تنظيم داعش الإرهابي حصةً من أسباب الإنخفاض في الأسعار حيث ومنذ سيطرته على العديد من الآبار النفطية في سوريا والعراق، بدأ ببيع البرميل الواحد بأقل من 30 دولار لبعض الدول.
المفارقة الكبرى، أن إنخفاض أسعار النفط تسبب في عجز كبير وصل إلى حوالي 130 مليار دولار في بعض الدول، عجز يهدد بالقضاء على «الصناديق السيادية» في بضع سنوات فقط، فعلى سبيل المثال سحبت السعودية 224 مليار ريال (65.1 مليار دولار) خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، لمواجهة العجز المتوقع في الميزانية نتيجة الانفاق الحكومي في ظل تراجع أسعار النفط التي تعتمد عليها السعودية في إيراداتها بنسبة 90 % ، وفق ما أعلن محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) الدكتور فهد المبارك، في المقابل، ووفقاً للمثال نفسه، تعتمد سلطات الرياض على العائدات النفطية لكسب مشروعيتها الداخلية والخارجية. بإختصار يمكننا القول، إن هذه الدول لاسيّما السعودية، ترتبط مشروعية أنظمتها العائلية الحاكمة بعلاقة طردية مع براميل النفط، فكلما ارتفعت أسعار النفط، أُتيحت لها الفرصة بشكل أكبر للإنفاق على مواطنيها، والإنفاق على «أدواتها» في المنطقة لإضفاء دور ومشروعية أكبر على نظامها الحاكم.
في الحالة الطبيعية، وبالنسبة للدول التي لم تنخرط في الحروب والأزمات الإقليمية، الكويت مثلاً، قد لا تواجه مشاكل مالية على المدى القصير بسبب امتلاكها احتياطات مالية جيدة، وأصول مالية يمكن بيعها لسد العجز الحاصل في الموازنة، ولكن كيف سيكون حال تلك الدول التي تنفق مئات المليارات في حربها على اليمن، أو من خلال دعمها للجماعات الإرهابية في سوريا؟ وما هي التداعيات المترتبة على "الهبوط النفطي" في هذه الدول؟
ويبدو أن أغلب الدول الخليجية في وضع لا يحسد عليه حالياً، بإعتبار أن تداعيات "الهبوط النفطي" سيكون بمثابة كرة الثلج التي تتجه نحوهم، فتكبر كلما طال زمانها، لذلك لا بدّ من الإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: تعتمد هذه الدول على العائدات النفطية لكسب مشروعيتها في الداخل، وتحاول العائلات الحاكمة أن ترفع من نسبة إنفاقها الداخلي لصرف النظر عن الفساد والتبذير و.. القائم، وهذا ما تجلّى بشكل واضح بعد بدء ما يسمى بـ«الربيع العربي» عندما أعلنت أغلب الحكومات في هذه الدول عن إصلاحات إقتصادية وصرف معاشات أشهر إضافية، فضلاً عن رفع نسبة الدخل، ولكن ماذا ستفعل هذه الدول إذاما إستمرت الأزمة النفطية لفترة طويلة؟
ثانياً: داخلياً أيضاً، كيف سيواجه الشعب السعودي ما طرح مؤخراً من أحد الإعلاميين المقربين من البلاط السعودي، خالد خاشقجي، حول سياسة التقشف في ظل الفساد والتبذير لأبناء العائلة الحاكمة؟ وهل سيقف هذا الشعب مكتوف الأيدي بسبب نزوات البعض، والتي كلّفتهم أكثر من 100 مليار دولار، خلال العدوان على الشعب اليمني؟
ثالثاً: إن الوزن الإقليمي للدول الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، لما كان لولا صرفها نسبة من العائدات النفطية على حلفاء ومبتزين وأدوات في المنطقة. وفي الحقيقة، وقف "الرشاوى" للخارج يعني إبتعاد القاهرة عن الرياض، وضعف الدور السعودي في لبنان، وإنتصار الثورة في البحرين وإنتهاء جزء كبير من الأزمة في سوريا.
رابعاً: ربّما من أبرز الحسنات لهذا الهبوط النفطي، هو إعطاء السعودية حجمها الحقيقي، لا أكثر، ما يؤثر إيجاباً على الحل السياسي للعديد من أزمات الشرق الأوسط.
يتضح أن الرياض تبحث عن دور إستراتيجي في المنطقة، فضلاً عن تأمين الإستقرار الداخلي بعيد الأمد، إلا أنها أخطأت الطريق، فلو صرفت لشعوب المنطقة ربع ما أنفقته على الحرب اليمنية والجماعات التكفيرية لكانت صورة الملك السعودي في كل بيت من بيوتات الوطن العربي.