الوقت- الضربات الأمريكية بطائرات من دون طيار على قوات الحشد الشعبي في محافظة الأنبار ومدينة القائم الليلة الماضية، والتي أسفرت عن مقتل وجرح عدد من القوات العراقية، وقبول البنتاغون الرسمي بالمسؤولية عن الهجوم، تصدرت عناوين وسائل الإعلام في هذا البلد فوراً.
وقد أدى ذلك مرةً أخرى إلى وضع مسألة القوات الأمريكية على الأراضي العراقية وسياسات واشنطن تجاه التطورات العراقية، على رأس التحليلات السياسية والإعلامية الساخنة.
في الأشهر القليلة الماضية ولا سيما في أغسطس/آب، نُفذت غارتان جويتان على الأقل من قِبل طائرات بلا طيار على مقار الحشد الشعبي في محافظتي صلاح الدين وديالى، حيث اعتُبرت أمريكا والکيان الإسرائيلي بأنهما المشتبه به الرئيس في الهجمات.
في ذلك الوقت، كان رد العراقيين على الهجمات هو الضغط من أجل إثارة خطة ترحيل القوات الأمريكية في مجلس النواب، والتي تم توقيعها من قبل 53 نائبًا، ولكن مع اندلاع الأزمة الداخلية، خرجت الخطة من اهتمام البرلمان.
ولكن الآن وبالنظر إلی الخسائر الفادحة وجرحی الهجوم الأخير وموقف واشنطن الاستعلائي في تبنّي المسؤولية عن الهجوم رسميًا، والتأكيد على مزيد من الانتقام في المستقبل من الجماعات التابعة للحشد الشعبي، يبدو أن مشروع طرد القوات الأمريكية من العراق، ليس فقط سيكون على جدول أعمال البرلمان بجدية أكبر من قبل، بل لم يقتصر الرد العراقي على المواقف السياسية، وكما أظهر التحرك الأمريكي العاجل لسحب موظفي سفارتها من المنطقة الخضراء ببغداد، سوف يتضاءل أمن القوات والقواعد الأمريكية في المستقبل إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، قال "أبو مهدي المهندس" نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في بيان مقتضب، إن "دماء الشهداء لن تذهب سدى، وردنا سيكون قاسياً جداً على القوات الأمريكية في العراق".
على الرغم من أن قيادات الحشد الشعبي کان لها مواقف مناهضة لأمريكا في الماضي، ولکن يمکن اعتبار التهديدات الأخيرة للمواجهة العسكرية مع القوات الأمريكية أكثر خطورةً من الماضي لسببين.
الأول، أن الهجوم الأمريكي قد وحَّد المواقف ووجهات النظر لمختلف الفصائل والتشکيلات داخل الحشد الشعبي، حول الحاجة إلى التعامل بقوة مع المصالح الأمريكية في العراق، في حين أن بعض الجماعات مثل "عصائب أهل الحق"، كانت لها مواقف معادية تجاه أمريكا أکثر من الجماعات الأخرى المنضوية في الحشد.
والثاني، أن الرأي العام في العراق يطالب الآن بالتدخل الجاد من قبل الحكومة وحتى القوات العسكرية ضد التدخلات الأمريكية.
محاولات لإنقاذ النفس من التداعيات
لكن في مواجهة الظروف المعقدة للإدانات والتهديدات المتزايدة لأمن القوات والمصالح الأمريكية في العراق، اتخذ البيت الأبيض خطوات مختلفة لإنقاذ نفسه.
في أعقاب الاحتجاجات واسعة النطاق من قبل المسؤولين العراقيين، فإن البيت الأبيض ولکي يظهر أنه لم ينتهك السيادة العراقية والقانون الدولي، يصر من ناحية على التنسيق مع المسؤولين في بغداد قبل بدء الهجمات ببعض الوقت، ومن ناحية أخرى وفي تكتيك إعلامي، قامت وسائل الإعلام الغربية بمناورة واسعة النطاق للقول بأن الهجوم قد استهدف "القوات التابعة لإيران" في العراق. وفي الحقيقة، تسعی الولايات المتحدة لعدم اتهامها بانتهاك السيادة الوطنية العراقية.
لكن هذه التبريرات بالتأكيد لن تخدع الرأي العام في العراق. فمن جهة إن الإعلان عن نية الهجوم لن يكون بحد ذاته ترخيصًا للاعتداء، كما ورد في البيانين المنفصلين لرئيس الوزراء المؤقت عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح اللذين عارضا بوضوح قرار المسؤولين الأمريكيين، وأکدا علی وصف الهجوم بالاعتداء.
من جهة أخرى، أصبح الحشد الشعبي جزءًا رسميًا من هيكل القوات المسلحة العراقية بأمر من القائد العام للقوات المسلحة العراقية في يوليو الماضي والذي تضمن عشر نقاط، والهجوم الأمريكي الحالي على قوات الحشد الشعبي هو في الواقع هجوم على القوات الرسمية لدولة عضو في الأمم المتحدة، وهو عمل عدواني.
لكن الجزء الثاني من الجهود الأمريكية للقول بأن الهجوم قد استهدف القوات التي تقودها إيران في العراق، هو الآخر محاولة يائسة وغير فعالة.
فمنذ تشكيل الحشد الشعبي بناءً علی فتوى المرجعية الشيعية في العراق، ومسارعة العراقيين للاستجابة لهذه الفتوى لمحاربة داعش، جعلت أمريكا ممارسة الضغط علی الحشد الشعبي وعرقلة أنشطته، جزءاً مهماً من استراتيجيتها السياسية والعسكرية في العراق.
إن دور الحشد الشعبي المهم في قمع داعش ومنع إعادة إحياء هذا التنظيم الدموي المدعوم من أمريكا والسعودية، بالإضافة إلى مواجهته للخطط الأمريكية لإعاقة العملية السياسية في العراق، عبر تغذية الاحتجاجات ونشر المتسللين بين المتظاهرين، هي أهم أسباب مواجهة واشنطن الكاملة للحشد الشعبي، وهي محاولات لم تؤت أکلها بطبيعة الحال، لأن الحشد قد نجح في قمع العناصر المتبقية من داعش، کما لعب دوراً إيجابياً في إنقاذ العراق من المأزق السياسي(من خلال تشكيل کتلة "البناء" في البرلمان).