الوقت- بعد انتهاء حرب الـ 51 يوماً في عام 2014 ، ارتفعت أصوات في الأوساط العسكرية والسياسية داخل الكيان الصهيوني تطالب بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق للنار طويل الأمد مع حماس في قطاع غزة. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن تعاود هذه الأصوات إلى الظهور عندما يقع صدام بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة في قطاع غزة، وتثار قضية وقف إطلاق النار طويل الأمد مع حماس كحل جدي.
وعقب الاشتباكات التي اندلعت خلال الشهر الماضي بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني بعد اغتيال أبرز قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، أثير خيار وقف إطلاق النار طويل الأمد مع حماس في الإعلام الصهيوني على أنه خبر جدي، حيث قالت وسائل إعلام صهيونية إنه سيتم قريباً توقيع وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حركة حماس، مدته 20 عاماً على الأقل. وعقب انتشار هذا الخبر، نفى خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة حماس هذا الخبر، وقال في مقابلة تلفزيونية: "إن الهدنة طويلة الأمد يطرحها فريقان: الأول الاحتلال كجزء من المعركة الانتخابية الداخلية، وفريق آخر من المحسوبين على سلطة أوسلو؛ وذلك من باب إثارة الضباب على موقف الحركة والفصائل"، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يسعى الكيان الصهيوني منذ أكثر من خمس سنوات وراء وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حركة حماس؟.
الهروب من الاشتباك على عدة جبهات
وفق الاستراتيجية العسكرية الصهيونية الجديدة، التي صاغها رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي "غادي آيزنكوت" في عام 2015، والتي لا تزال مصدر القرارات العسكرية لهذا الكيان، فإن الكيان الصهيوني سيشتبك على أكثر من جبهة في أي صراع قادم سيحدث. بمعنى أن الصهاينة يعرفون في تقديراتهم أنهم إذا شنوا حرباً ضد المقاومة، فلن ينتهي الأمر في نفس الجبهة بل سيشتبكون على عدة جبهات، لذلك يبحثون عن وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حماس ليهدأ بالهم تجاه هذه الجبهة.
وقد جاء الحديث عن هذه القضية، خلال الأيام الأخيرة، على لسان قائد سلاح الجو في الكيان الصهيوني، حيث صرّح "رون كوخان" يوم الاثنين أن المقاومة ذكية للغاية لأنه وبينما أعطى الكيان الصهيوني الأولوية لجبهته الشمالية في سوريا وجنوب لبنان قامت المقاومة بجره نحو الجنوب عبر الاشتباك في قطاع غزة، وحوّلت مسار تركيزه من الشمال إلى الجنوب.
الهروب من حرب شاملة
الصهاينة في استراتيجيتهم العسكرية يفرّون من التورط في حرب شاملة ويصفون ذلك بالخط الأحمر. فمن بين الجبهات الأربع التي حددها الصهاينة لأنفسهم، يتمتع قطاع غزة بقدرة أكبر من أي جبهة أخرى على ادخال الصهاينة في حرب شاملة وذلك بسبب الحصار المستمر لأكثر من عقد من الزمان وإمكانات فصائل المقاومة، لقد اتبع الصهاينة هذه الاستراتيجية على مدى السنوات الخمس الماضية بعد حرب الـ51 يوماً ولم يمهّدوا أبداً لظروف تدخّلهم في حرب شاملة مع قطاع غزة. والآن، إذا استطاعوا تنفيذ وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حماس، فإنهم سيطمئنون تجاه الخيار الأكثر احتمالاً لحرب واسعة النطاق.
إحداث شرخ بين فصائل المقاومة
كانت إحدى السياسات الصهيونية في فلسطين هي إحداث شرخ بين الفصائل الفلسطينية، وتماشياً مع هذه السياسة يحاول الصهاينة من خلال التركيز على حماس فقط ومحاولة التوصل إلى اتفاق طويل الأمد مع هذا الفصيل المقاوم- أكبر فصائل المقاومة في قطاع غزة، بث الخلافات بين فصائل المقاومة في قطاع غزة والتعامل مع حماس فقط، خاصة وأن القدرات العسكرية للجهاد الإسلامي تقدّمت خلال العقد الماضي بشكل أخاف الكيان الصهيوني بشكل رهيب، لذلك، إن المواجهة مع حماس هي سياسة يتبعها الكيان الصهيوني لإحداث شرخ بين فصائل المقاومة.
إدارة باقي فصائل المقاومة عبر حماس
لقد حاول الصهاينة دائماً وصف حماس بالمسؤول عن قطاع غزة مع الإبقاء على العداء مع هذا الفصيل المقاوم، وذلك لتقديم حماس المسؤول عن جميع الأعمال التي تجري في قطاع غزة والتعاطي معها، تتم هذه السياسة من خلال هكذا توجّه من أجل أن تقوم حماس -بوصفها المسؤول عن قطاع غزة- بإدارة باقي فصائل المقاومة ومطالبتها بالتصرف بموجب أوامر حماس وعدم القيام بأي عمل دون إذن حماس. ففي هذه الحالة، إذا وقّع الصهاينة اتفاقية طويلة الأمد مع حماس، فإن حماس ستضطر حتماً إلى منع فصائل المقاومة الأخرى من القيام بعمل أحادي الجانب حسب زعمهم، إن هذا النهج بالرغم من أنه يأتي في سياق سياسة إثارة الخلافات، إلا أن له جانباً أكثر ترجيحاً وهو مواجهة حماس وإدارة باقي الفصائل الأخرى من قبل حماس.
غرفة العمليات المشتركة.. ضرب لسياسة الكيان الصهيوني
عقب إنشاء غرفة العمليات المشتركة بين فصائل المقاومة التي تمت في قطاع غزة منذ حرب الـ51 يوماً، فشلت جميع السياسات الصهيونية وبدأت فصائل المقاومة بالعمل في المقاومة دون أي خلاف ودون أن يكون لأحدهم سلطة على الآخر وبدأت المشاركة وتنسيق العمليات في قطاع غزة، وفشل الصهاينة في بث الخلافات وإدارة الفصائل الأخرى من قبل فصيل محدد. لكن وعلى الرغم من هذا الفشل، فإن الصهاينة يستمرون في القرع على طبول الخلافات، كما أنهم سيواصلون العزف على وتر الاتفاق مع حماس ومحاولة إحداث شرخ بين فصائل المقاومة.