الوقت- لا نعلم ما هو شعور الفلسطينيين اليوم بعد أن أكدت السعودية أن القضية الفلسطينية تأتي على سُلم أولوياتها وستبقى كذلك حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كافة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، هل حقاً يصدق الشعب الفلسطيني هذا الكلام أو بالأحرى هل تركت السعودية مجالاً أو فرصة للفلسطينيين للوثوق بها، بعد أن طعنت القضية الفلسطينية خلال الأعوام القليلة الماضية فقط عشرات المرات ولم يهتز لها جفن وهي ترى الإسرائيليين يعتدون على الفلسطينيين وينهبون أراضيهم، بل أكثر من ذلك هل يصدق أحد أن السعودية تعتقل فلسطينيين على أراضيها ينتمون إلى حركة حماس وترفض الإفراج عنهم أو حتى محاكمتهم.
السعودية وضمن الكلمة التي ألقاها الأمير عبدالله بن خالد بن سلطان سفير السعودية لدى النمسا المندوب الدائم لها لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في فيينا، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، اعتبر أنه ليس هناك مبرر لاستمرار هذا الصراع في ظل وجود توافق دولي حيال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مشددةً على "ضرورة التمسك بالسلام الدائم والعادل والشامل على أساس حل الدولتين".
أولاً: الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية لا يعترفون بوجود دولة تدعى "إسرائيل" ويعتبرونها "احتلالاً" سيرحل عن هذه الأرض شاء أم آبى، أما ما تقوله بعض الأنظمة العربية فلا يمثل رأي الشارع العربي الذي تصادره هذه الانظمة وتتحدث باسمه، فعندما انتفضت الشعوب الخليجية في وجه "صفقة القرن" وغيرها من القرارات المجحفة بحق الشعب الفلسطيني كان زعماء هذه الأنظمة يلتزمون الصمت ويساهمون في خنق الشعب الفلسطيني ويمدوّن يد العون للعدو الصهيوني الذي جلب الحروب والويلات لشعوب المنطقة.
ثانياً: في حال فرضنا جدلاً ان الفلسطينيين يريدون السلام مع كيان العدو هل ما يقوم به العدو الاسرائيلي يوحي ولو واحد بالمئة أنه يريد السلام مع الجانب الفلسطيني وهو لا يدخر جهداً ولا يترك فرصة حتى يقضم أراضي الفلسطينيين ويغتال قياداتهم ويقتل أطفالهم ونساءهم جهاراً نهاراً.
ثالثاً: ألا تخجل السعودية وهي تتحدث بهذا المنطق في المحافل الدولية وهي أولى الدول التي ساهمت في تمرير بنود صفقة القرن التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، إذ كان دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واضح جداً في توطيد العلاقات مع الصهاينة، حيث يمارس ابن سلمان ضغوطاً كبيرة على الفلسطينيين لتمرير صفقة القرن، وعندما قام ابن سلمان برحلة ثلاثة أسابيع إلى أمريكا في الربيع الماضي، نقل إشارات أعلى صوتاً عن نواياه تجاه "إسرائيل"، وقال لصحيفة "أتلانتيك" الأمريكية إنه يجب على الفلسطينيين قبول الصفقة أو "الصمت والتوقف عن الشكوى" حول قضية لم تعد أولوية بالنسبة لنا مقارنة بمواجهة إيران، كما اعترف محمد بن سلمان صراحة بشرعية المطالبات اليهودية الإسرائيلية في فلسطين ما أدّى إلى إحراق صوره في غزة.
رابعاً: دخلت السعودية دائرة التطبيع مع كيان العدو عن سابق اصرار، اذ لا يمر شهر واحد حتى نسمع عن خطوة تجريها السعودية في هذا المجال، والتي كان آخرها لجوء مؤسسات حكومية سعودية إلى التعاون مع شركات إسرائيلية في مجال الترجمة من العربية إلى الإنجليزية والعكس. وتثير هذه التحركات السعودية تساؤلات حول الهدف من اللجوء إلى شركات إسرائيلية، رغم انتشار آلاف الشركات العربية العاملة في مجال الترجمة بالسعودية والمنطقة الخليجية والعالم.
إن اسلوب ابن سلمان وسياسته العدائية للفلسطينيين وتلويحه بالتطبيع بين الفينة والأخرى جعل الصهاينة يتقربون منه أكثر ويرغبون بأن يصل إلى سدة الحكم بأسرع وقت ممكن حتى لو قتل ألف خاشقجي، لأن نتنياهو وأمثاله ليسوا أفضل حالاً منه، ومن هنا بدأ الطرفان يبحثان عن قواسم مشتركة خارجية يمكن الحديث عنها فلم يكن أمامهم سوى "شيطنة إيران" واعتبارها العدو المشترك الذي يهدد المنطقة، وكأن ابن سلمان يرشّ الأرز على اليمنيين وكذلك يفعل نتنياهو مع الفلسطينيين.
بالمختصر أصبح واضحاً أن سياسة السعودية خلطت الأوراق في المنطقة وأحدثت شرخاً ليس فقط من النيل إلى الفرات "كما يرغب الصهاينة وهذا هو مشروعهم" بل حتى ما بعد ليبيا، ويبقى السؤال ما يقوم به ابن سلمان لمصلحة من؟.
في الفترة الأخيرة تطورت العلاقات العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص مع السعودية، والتي تُوّجت بزيارات متبادلة واتفاقيات وصفقات عسكرية، كان أبرزها شراء الرياض منظومة "القبة الحديدية" الدفاعية العسكرية من "تل أبيب"، وبتاريخ 28 أكتوبر 2018، انتشرت أخبار عن إتمام السعودية صفقة شراء أجهزة تجسس عالية الدقة والجودة من "إسرائيل" قيمتها 250 مليون دولار أمريكي، نقلت للرياض، وبدأ العمل بها بشكل رسمي بعد أن تم تدريب الطاقم الفني المسؤول عن إدارتها وتشغيلها، وفق ما كشفه "الخليج أونلاين" في سبتمبر 2018.
ويقف النظام السعودي صامتاً أمام تجرؤ عدد من شخصياته الإعلامية والأكاديمية على الجهر بالتطبيع، وكان آخر ذلك زيارة الناشط الإعلامي محمد سعود "إسرائيل"، ضمن وفد إعلامي عربي، لكن الفلسطينيين لقنوه درساً لن ينساه.
يبدو أن هناك خطة كبيرة لبرمجة عقول الشباب العربي فيما يخص التطبيع مع العدو الصهيوني، وتسير الأمور نحو اعتبار من يقف في وجه التطبيع "خائن" أو "عميل"، حالياً تكتفي بعض الدول العربية باعتقال من يقف في وجه التطبيع ولا نعلم إلى أين ستتطور هذه الأمور، ومثال ذلك سجن الناشط الحقوقي أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، واعتقل ويحمان على إثر الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مع عدد من المناهضين للتطبيع، وأصدرت المحكمة الابتدائية بالرشيدية، بـ"إدانة ويحمان بالسجن شهرا نافذا وغرامة تصل إلى 3 آلاف درهم"، والله أعلم إلى اين ستسير الأمور.
وشهد العامان الماضي والحالي سلسلة زيارات ولقاءات تطبيعية بين "إسرائيل" والسعودية في مجالات عدة؛ إذ كشفت وسائل إعلام عبرية عن زيارة اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودي المقال، دولة الاحتلال عدة مرات في مناسبات مختلفة، كما وجّه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالترويج للتطبيع مع "إسرائيل"، وفق ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
إن نقطة العطف في العلاقات السعودية الإسرائيلية كانت في العام 2006 وحرب الـ33 يوم، حيث أدانت السعودية حينها اختطاف حزب الله اللبناني للجنود الإسرائيليين واعتبرت ما يقوم به "حزب الله" اللبناني "مغامرة"، في ذلك الوقت، كانت إسرائيل والسعودية حريصة على مواجهة حزب الله وإيران.
لقد تكثّفت الدبلوماسية السرية بين بعض الحكومات العربية والإسرائيلية منذ ذلك الحين. وفي منتصف سبتمبر 2006 ، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بالأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن. ويُعرف ابن سلطان باسم "بندر بوش" بسبب العلاقات الحميمة مع عائلة بوش في ذلك الوقت، ولم يذكر أولمرت في مذكراته هذا اللقاء.