الوقت- بات واضحاً أن العلاقات العربية تنحدر تدريجياً إلى مستويات لا يمكن تصوّرها، وأصبح غالباً على هذه العلاقات المصالح الشخصية والفردية، واتضح هذا الأمر رويداً رويداً بعد أن بدأت ما تسمى "ثورات الربيع العربي" تجتاح العالم العربي، حيث تغيّرت التحالفات بين الدول العربية وانقسمت فيما بينها وانقلبت على نفسها، وأصبحت كل دولة تغنّي خارج السرب وفقاً لمصالحها وتطلعاتها، وبالتالي يمكن القول أن "الوحدة العربية" دخلت العناية المشددة وقد لا تخرج منها.
قطر إحدى هذه النماذج التي فاجأت الجميع بموقفها من عملية "نبع السلام" العسكرية التي يشنّها الجيش التركي ضد سوريا، طبعاً لو صمتت قطر تجاه ما يجري لكان الأمر متوقعاً على اعتبار أن العلاقات التركية - القطرية تمرّ بأحسن حالاتها منذ مقاطعة بعض الدول الخليجية لقطر ومحاصرتها، هذا الحصار الذي قادته السعودية ساهم في ارتماء قطر في الحضن التركي، ويبدو أن دفاع قطر عن غزو تركيا للشمال السوري، هو نوع من ردّ الجميل للدولة التي أرسلت جنودها لحمايتها عندما حاصرها أشقاؤها العرب، ولكن أن تعتبر قطر أن ما تقوم به "تركيا" هو حق مشروع، فهذا أمر غير منطقي على الإطلاق، لأن الموضوع هنا غير مرتبط بأن سوريا دولة عربية وبأن تركيا دولة حليفة لقطر وإنما مرتبط بالأخلاق والإنسانية وغزو دولة أخرى وقتل سكانها دون وجه حق.
لو عكسنا الحدث وقامت السعودية على سبيل المثال بغزو قطر هل ستقول سوريا بأن هذا حق مشروع للسعودية لأن قطر تدعم جماعات تروّج الفكر المتطرف؟.
ما قامت به قطر لاقى استهجاناً كبيراً لدى جميع الأطراف الدولية والعربية، حيث خالفت الدوحة الموقف العربي السائد على المستويين الرسمي والشعبي، بإعلانها تأييد الهجوم العسكري التركي على شمال وشرق سوريا، وذلك في تكرار لاصطفافها بجانب القوى الإقليمية غير العربية، والذي بات أكثر وضوحاً منذ أزمة مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين ودول أخرى لقطر في يونيو (حزيران) 2017، وحتى اليوم.
ووصفت بعض الدول العربية العملية العسكرية التركية بـ "الغزو" إلى جانب دول ومنظمات غربية ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تهديد أوروبا بورقة اللاجئين مجدداً.
وخلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي خلوصي أكار، أعلن وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، الذي تستضيف بلاده قاعدة عسكرية تركية، دعم بلاده للعملية العسكرية التي تقوم بها أنقرة في سوريا، التي لاقت تنديداً عربياً دولياً واسعاً.
وامتنعت الدوحة عن شجب العملية العسكرية التركية، أو حتى الدعوة إلى "ضبط النفس"، حيث أجرى أمير قطر تميم بن حمد اتصالاً هاتفياً بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد ساعات من انطلاق العملية، "تم خلاله استعراض العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها وتعزيزها"، إضافة إلى مناقشة آخر التطورات الإقليمية والدولية "لا سيما مستجدات الأحداث في سوريا"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء القطرية نقلاً عن الديوان الأميري.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تدعم فيها الدوحة التدخلات العسكرية التركية في المنطقة العربية، حيث تكرّر نفس الموقف من دعم الميليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، فيما سبق أن تحفّظت الدوحة في عام 2015 على البيان الصادر من الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك "نبيل العربي" بشأن استنكار جامعة الدول العربية للقصف التركي على مناطق في شمال العراق، مؤكدة دعمها للإجراءات التركية.
بدوره، قال السفير محمد المنيسي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر لدى قطر سابقاً: إن الموقف القطري غير مستغرب في ضوء التحالف القائم مع تركيا بهدف حماية النظام القطري، مضيفاً "موقف الدوحة يتفق مع وضع القوات التركية الموجودة في الأراضي القطرية، والتي تعدّ ضمانة أمنية لأمير قطر لعدم إطاحته، وهو جزء من سياسة استقواء قطر بالخارج وتحالف النظام القطري بقيادة تميم مع أردوغان في مختلف الملفات الإقليمية التي تخالف إجماع الدول العربية الرئيسة التي تقاطع الدوحة بطبيعة الحال".
وشدد على أن هذا الموقف يخالف الإجماع الدولي والعربي الشامل للعملية العسكرية التركية، حيث أعربت الدول الأوروبية وأمريكا وروسيا وحتى إيران عن معارضة العملية العسكرية، "فما بالنا بمخالفة الدوحة للموقف العربي أيضاً، وعندما تشذّ دولة عربية عن هذا الإجماع العربي والدولي وتعلن دعمها لاحتلال تركيا لشمال سوريا، فإن ذلك يعني أنها دولة تستقوي بالخارج على حساب الأمن القومي العربي".
ومؤخراً ارتفعت المطالبات بـ"طرد قطر من الجامعة العربية"، على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تأييدها المنفرد للغزو التركي لسوريا وإجبارها مليوني سوري لاجئ على توطينهم قسراً في غير مناطقهم شرق سوريا.
وتصدّر موقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة هاشتاغ قطر تدعم احتلال سوريا، تزامناً مع استمرار العملية العسكرية التركية شمال سوريا ضد الأكراد الموالين لأمريكا.
وجاء الهاشتاغ باسم قطر في أعقاب صدور البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة السبت الماضي، والذي أدان العملية العسكرية التركية شمال سوريا، وتحميل أنقرة مسؤولية تفشي الارهاب بعد اعتدائها على سوريا، في حين تحفّظت قطر والصومال على البيان، الذي اعتبره البعض تماشياً مع تركيا وتأييداً لها في عملية "نبع السلام".
وغرّد حساب (فارس القحطاني) بقوله: "حكومة قطر تجرّدت من عروبتها واتقنت الخضوع لتركيا بنجاح تام ومبهر!! - قطر تدعم العدوان التركي على شمال سوريا وتدعم أيضاً الاحتلال!! ".