الوقت- تحت ذرائع مختلفة دخلت تركيا إلى الأراضي السورية دون أن تأخذ موافقة أصحاب الأرض، وهذا يعتبر تعدّياً على السيادة السورية وفقاً لجميع المعايير الدولية، وها هي تركيا تكمل يومها السابع في استهداف أراضي سوريا دون أن ينبس المجتمع الدولي ببنت شفة تجاه هذا الغزو وتجاه الانتهاكات التي تنفذها تركيا بحق المدنيين السوريين، وحتى كتابة هذه السطور قتلت تركيا أكثر من 100 مدني سوري في قصفها المستمر على شمال شرق سوريا، والأنكى من هذا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدأ يتحدّى العالم بأسره ويقول بأنه لن يوقف العملية العسكرية في سوريا شاء من شاء وأبى من أبى.
تركيا تقول إنها دخلت بحجة مواجهة خطر وجود القوات الكردية على حدودها وبهدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 35 كيلومتراً مربعاً لكي يقطن فيها اللاجئون السوريون الذين يعيشون في تركيا حالياً وأصبحوا يشكلون عبئاً على أردوغان وعلى تركيا كما تدّعي سلطات هذه البلاد.
تتهم تركيا المقاتلين الأكراد بأنهم "إرهابيون" بالرغم من قتالهم لـ"داعش" وحماية دول المنطقة من انتشار خطر هؤلاء، هنا يمكن أن نقول أن تركيا تجد بهؤلاء خطراً على أمنها القومي كما تدّعي وتريد إبعاد هذا الخطر، خاصة وأنها تُنسبهم لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، لكن أن تقتل جماعات تابعة لتركيا مدنيين عزّل فهذا يفضح النوايا ويكشف عن كواليس "نبع السلام" التركي الذي يفيض بالدماء التي غطّت شمال وشرق وغرب سوريا بسبب الأطماع التركية العثمانية غير المبررة والعديمة الجدوى.
جماعات مناصرة لتركيا قتلت قبل يومين مدنيين رمياً بالرصاص ووصف المرصد السوري لحقوق الإنسان ما جرى بأنه عملية إعدام ميداني قام بها مقاتلون سوريون موالون لأنقرة.
المرصد السوري أفاد أن ضمن من قتلوا "هيفرين خلف" الأمينة العامة لحزب "مستقبل سوريا" الكردي.
من جهته وتعليقاً على ما جرى قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، إنه ربما يجري تحميل تركيا المسؤولية عن عمليات إعدام تعسفية نفّذتها جماعة مسلحة مرتبطة بها بحق عدد من المقاتلين الأكراد وسياسية قيل إنها ظهرت في تسجيلات فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في مطلع الأسبوع.
وذكر روبرت كولفيل المتحدث باسم المكتب في إفادة صحفية في جنيف أن "المكتب حصل على لقطات تصوّر عمليات القتل التي نفذها -فيما يبدو- مقاتلو جماعة أحرار الشرقية قرب منبج".
وقال كولفيل: "تركيا قد تعتبر دولة مسؤولة عن انتهاكات جماعات تابعة لها طالما تمارس سيطرة فعّالة على هذه الجماعات أو العمليات التي حدثت خلالها تلك الانتهاكات".
وتابع "نحث السلطات التركية على البدء فوراً في تحقيق محايد مستقل ويتسم بالشفافية.
نحن نقول للسيد كولفيل المحترم إن على حقوق الإنسان أن تحقق مع تركيا نفسها ومع إدارة اردوغان للكشف عن الجرائم التي ينفذها جنوده بحق السوريين على اختلاف انتماءاتهم، وأن يساهموا في إيقاف نزيف الدم السوري، لأن ما يجري هو عار على هذه المنظمات الدولية التي تكتفي بالتنديد بل تفعل ما هو أبشع من ذلك، حيث تسحب بعثاتها من شمال شرق سوريا في الأوقات الحرجة خوفاً من أن تتعرّض هذه البعثة لقصف مدفعيات وصواريخ الجيش التركي، ولكنها لا تتخذ أي خطوة لإيقاف هذه الحرب، وتكتفي بحل جزئي يجنّب المنتميين لها خطر الحرب، لكن أرواح السوريين غير مهمة بالنسبة لهذه المنظمات التي تتكلم عندما يجب أن تصمت وتصمت عندما يجب أن تتكلم.
من حسن حظ الأكراد اليوم أن الجيش السوري انطلق نحو المناطق التي تتوسع فيها تركيا، بعد اتفاقية حصلت بين الأكراد والحكومة السورية، تم بموجبها تسليم المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلى الجيش السوري، وهذا الأمر لم يلقَ ترحيباً لدى السيد أردوغان لأنه يعلم جيداً أن وصول الجيش السوري إلى المناطق المتاخمة للنقاط التي وصل إليها جنوده لا يعدّ بشارة خير، لأن المواجهة ستكون مع الحكومة السورية وبالتالي مع حلفاء سوريا، وهذا يعرّض أردوغان للكثير من المشكلات، وقد يضطر لمواجهة الجيش السوري والأكراد سوية أو الانسحاب من سوريا، لأن بقاءه هناك سيعرّضه للوقوع في المستنقع السوري، وسيتحوّل شمال شرق سوريا إلى مقبرة لجنوده، وهذا سينعكس بدوره على الداخل التركي.
الاقتصاد التركي كان أول المتضررين من الحملة التركية، حيث هوت الليرة التركية بأكثر من 5 بالمئة في أعقاب التوغل العسكري التركي في سوريا لتصبح الأسوأ أداء بين العملات الرئيسة في العالم في أكتوبر.
إن أوروبا قلقة من تداعيات أي هجوم تركي محتمل على المعركة ضد خلايا تنظيم "داعش" الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة برغم هزيمته الميدانية على يد المقاتلين الأكراد، ونحن بدورنا نثمّن هذا القلق الأوروبي الذي ساهم في إحلال السلام والأمن والأمان في منطقتنا، خاصة وأن الأسلحة التي تستخدم في الحرب السورية هي صناعة كوكب آخر ولم تأتِ من أوروبا إطلاقاً، حتى أن تهديد الأوربيين بمنع تصدير السلاح إلى تركيا يعدّ أمراً مهمّاً وسيوقف الحرب لا محالة، وعلى الغرب أن يستحي من هذا الكلام ويبقي قلقه لنفسه ولصناعاته العسكرية التي دمّرت العالم بإشرافه وتنفيذه وصمته على الجرائم التي تحصل في الشرق بحق الإنسانية، وأقصى ما يستطيع أن يفعله هذا الغرب أنه يصنع الأسلحة القاتلة ولكن في نفس الوقت يدعو للسلام، ويتفاجأ عندما تخرج منظمات مثل "داعش" يعتبرها أنها تهدد السلم العالمي، فعلى الغرب أن يغيّر سياسته التي هي من تهدد السلم العالمي وهي من أوصل هذه المنطقة لما هي عليه.