الوقت - بعد خمسة أيام من شنّ الجيش التركي هجوماً واسع النطاق على شمال سوريا الذي يقطنه الأكراد، وعلى الرغم من أن القادة السياسيين والعسكريين الأكراد في سوريا قد اتخذوا مواقف مختلفة حول خيانة أمريكا لهم وإمكانية اللجوء إلى روسيا، وبعبارة أخرى التحالف مع دمشق بشأن اتخاذ إجراءات ضد العدوان التركي، وحتى مساء يوم السبت أعلنت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء أنه بناءً على اتفاق تم التوصل إليه بين الأكراد والحكومة المركزية، تقرّر نشر وحدات الجيش السوري بأسلحتهم المتوسطة والثقيلة في بلدة "منبج"، لكن في الممارسة العملية ما زال الأكراد السوريون لم يتخذوا خطوةً جديةً ومهمّة لحل الخلافات مع الحكومة المركزية بشكل كامل، والاحتماء إلى منظومتها الأمنية. هذا في حين أن الوقت ينفد بالنسبة للأكراد بسرعة، وتضييع الفرصة في هذا الوقت قد يكون له عواقب لا تعوَّض بالنسبة لهم.
يمكن تتبع تردد الأكراد السوريين في عدة عوامل:
أولاً: قد يكون لدى بعض الأكراد السوريين تصوّر متفائل لظروف الحرب مع تركيا.
يقدّر عدد المقاتلين الأكراد السوريين بـ 140 ألفاً، وهذا الأمر إلى جانب التسليح الأمريكي والتدريب العسكري الذي قدمته أمريكا لهم في السنوات الأخيرة، جعل الجيش التركي يتقدّم ببطء في الأيام الأولى للحرب.
قوات سوريا الديمقراطية(قسد) ادّعت يوم الأحد أنه خلال الاشتباكات في بلدة "رأس العين" الحدودية في شمال سوريا، بالإضافة إلى مقتل 75 جندياً تركياً، دمّروا سبع دبابات أيضاً، واستعادوا السيطرة على المدينة من الميليشيات المرتبطة بتركيا.
ثانياً: من المرجّح أن يستمر الأكراد في التطلع إلى عودة ورقة المعادلات والحصول على دعم واشنطن والدول الأوروبية، إذ بالأمس قال وزير الدفاع الأمريكي إن واشنطن لم تترك الأكراد، وفي الوقت نفسه أعلنت بعض الدول الأوروبية فرض حظر لبيع الأسلحة لتركيا.
لكن هذه النظرة المتفائلة قد تغلق جميع أبواب العودة أمام الأكراد السوريين، ما يجعل من المستحيل التعويض عن عواقبها.
وحتى الآن أيضاً كان لدى الأكراد السوريين الكثير من الفرص التي ضيّعوها لحل الخلافات مع الحكومة المركزية والترحيب بيد الصداقة الممدودة من قبل دمشق للعودة إلى أحضان سوريا، ويمكنهم الآن رؤية نتيجة ذلك في خيانة واشنطن الفاضحة ومعارضة الدول الأوروبية الظاهرية والسلبية للغزو العسكري التركي.
لقد استولى الجيش التركي منذ عام 2016 فصاعداً في عمليتي درع الفرات (من 24 سبتمبر 2016 إلى 29 أبريل 2017) وعملية غصن الزيتون (من 20 يناير 2016 إلى 24 أبريل 2017)، وبالتعاون مع الجماعات الإرهابية التي تدعمها، على أربعة آلاف كيلومترات من الأراضي السورية، معظمها من المناطق الشمالية الخاضعة للسيطرة الكردية في مدن الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين.
هدف تركيا هو تغيير الديموغرافية في المنطقة، وطرد الأكراد من شمال سوريا بالقرب من حدودها الجنوبية، وإعادة توطين ما بين مليون إلى مليوني لاجئ عربي وتركماني في هذه المناطق، الأمر الذي سيزيل التهديد الأمني الكردي لأنقرة، كما سيريح تركيا من محنة اللاجئين السوريين.
النقطة المهمة هي أن الأكراد السوريين يجدون في تحليل غير دقيق للوضع، أنه من المستحيل أن تسمح أمريكا لأنقرة بتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، لكن مثل هذا الحدث ممكن تماماً. كما أُعطي الضوء الأخضر الأمريكي لتركيا لبدء عملياتها في شمال سوريا، مع علم واشنطن بخطط أنقرة طويلة الأجل في المنطقة.
في الواقع، إن ما يهم تركيا وأمريكا كهدف مشترك في مستقبل سوريا، هو مسألة الاهتمام المشترك في قضية تفكيك سوريا.
فتركيا من خلال طرد الأكراد واستبدال العناصر العربية القريبة منها في المنطقة، تخطط لتشكيل منطقة تدعى سوريا الجديدة، وعلى الرغم من أن أمريكا كانت تفضّل تشكيل مثل هذه المنطقة بمركزية الأكراد، لكن بسبب اهتمام الكيان الإسرائيلي بتفكيك سوريا وكذلك لمنع تركيا من الوقوع أكثر في أحضان روسيا، أعطت الإذن أخيراً لأردوغان لإحداث التغيير الديموغرافي في المنطقة.
وفي ظل هذه الظروف، بطبيعة الحال، فإن الطريق الوحيد للأكراد السوريين هو التوجُّه نحو الحكومة المركزية والحصول على مساعدة الجيش السوري.
فالجيش السوري وفي حادثة قصف قافلة الجيش التركي ومحاصرة برج المراقبة التركي في ريف إدلب، أظهر أنه قادر على منع الجيش التركي من التقدم في المناطق الشمالية، كما ذكرت التقارير أنه بعد إعلان سيطرة الجيش السوري على مدينة منبج، يظهر الهيكل العسكري للجيش التركي أنه ليس لديهم نية للاقتراب من المدينة.
وفي هذا الصدد، قال خبراء عسكريون لصحيفة "الوطن" السورية، إن تطورات النفوذ التركي في شمال شرق سوريا، تظهر أن الجيش التركي وحلفاءه يتجنبون أي مواجهة مباشرة مع الجيش السوري.
مع ذلك، علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان الأكراد السوريون على استعداد للتراجع عن بعض مطالبهم والتوجه إلى الحكومة السورية ومواجهة هذا التهديد الكبير لبقائهم أم لا.