الوقت- في السنوات الأخيرة، سافرت العديد من وفود الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأمريكي والعديد من المنظمات السياسية والإعلامية الغربية إلى المناطق الكردية في شمال سوريا، حيث قدمت دعماً ضمنياً وغير رسمي للجماعات الكردية عقب إنشائها أنظمة دفاعية مستقلة وغير رسمية، كما أكدت تلك الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية أن أوروبا تقف إلى جانب الأكراد في مجال حقوق الإنسان.
من الدعوة لقصر الإليزيه والبرلمان الأوروبي إلى السلبية المطلقة
في مناسبات عديدة، وصف مسؤولو البيت الأبيض والبنتاغون وممثلو الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في ملف القضية السورية وأعضاء التحالف المعادي لتنظيم داعش الإرهابي وأعضاء مجلس الشيوخ وبعض الأعضاء والمسؤولون الأمريكيون الآخرون، "قوات حماية الشعب الكردية" و"القوات الكردية" المتمركزة في شمال سوريا بأنهم حلفاء مهمّون للحكومة الأمريكية، وأعلنوا بأنهم دخلوا في حرب مع تنظيم داعش الإرهابي لحمايتهم.
وفي سياق متصل، دعا رؤساء الدول الأوروبية مراراً وتكراراً مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لزيارة البلدان الأوروبية، وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن "صالح مسلم"، وهو زعيم سابق في الحزب، ألقى العديد من الخطابات أمام البرلمان الأوروبي خلال السنوات الماضية.
كما تم الترحيب رسمياً ببعض القيادات النسائية للجناح العسكري لهذا الحزب في قصر الإليزيه خلال فترة حكم الرئيسين الفرنسيين السابقين، وفي بلدان مثل بلجيكا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا، تم تقديم الكثير من الدعم للأكراد السوريين بشكل علني وواضح، ولهذا فلقد احتجت تركيا مراراً على ذلك الدعم.
في الواقع، كان هناك بالطبع دعم في المجال العسكري وعلى سبيل المثال قدّمت ألمانيا وبعض الدول الاأروبية الكثير من الدعم العسكري للأكراد أثناء عملية "عين العرب"، وبالإضافة إلى ذلك لم يكونوا أبداً على استعداد لقبول وجهات نظر تركيا والقول بأن قوات حماية الشعب الكردية تعتبر جماعات إرهابية.
ومع ذلك، في الأيام الأخيرة عندما أصبح الأكراد يعيشون حالة من الاضطرابات والخوف بسبب الهجمات العسكرية التركية، قام الأمريكيون وتبعهم الأوروبيون، بتبنّي سياسة مزدوجة وعلى الرغم من زعمهم بأنهم لم يقدّموا دعماً لتلك الهجمات التركية وأنهم يعارضون تلك العمليات التركية، إلا أنهم لم يتخذوا أي خطوات عملية لمنع تلك الهجمات الوحشية، وبمعنى آخر، يمكن القول بأن أمريكا والدول الأوروبية أظهرتا بشكل واضح بأنهما تريدان أن تحافظا على علاقتهما مع تركيا وفي نفس الوقت حاولتا استخدام بعض الشعارات والخطابات الرنانة لإقناع الأكراد بعدم الخروج من تحت مظلتهم.
الأمين العام لحلف الناتو.. ضربة في المسمار وضربة أخرى في الحذاء
كانت زيارة الأمين العام لحلف الناتو "ستولتنبرغ" لتركيا ولقاءاته مع وزير الخارجية "مولود تشاوش" ووزير الدفاع "خلوصي آكار" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" من الأحداث المهمة التي أظهرت أن تركيا وحلف الناتو لا يريدان أن ينفصلا عن بعضهما البعض.
وربما يمكن القول بأن زيارة "ستولتنبرغ" كانت بمثابة رد قوي على تهديد السناتور "ليندسي جراهام"، الذي قال إن إحدى لوائح العقوبات الأمريكية المفروضة على تركيا، تدعو إلى طرد تركيا من حلف الناتو، لكن بالأمس أعلن "ستولتنبرغ" بأن حلف الناتو ليس لديه أي نية لطرد تركيا وذلك لأن هذه الأخيرة كانت البلد الأكثر عرضة للمخاطر الأمنية أكثر من غيرها من أعضاء هذا الحلف العسكري. وعلى الرغم من أن تصريحات الأمين العام لحلف الناتو كانت مشجّعة إلى حدّ ما لتركيا، إلا أن ملاحظاته ومواقفه كانت لها خصائص أخرى وعلى سبيل المثال:
1. لقد رفض الأمين العام لحلف شمال الأطلسي القول بأن قوات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية تعتبران قوتان إرهابيتان، واكتفى بالقول إنه يتفهّم مخاوف تركيا الأمنية.
في الواقع، قال "ستولتنبرغ" إن هذه القوات ليست إرهابية ولهذا فإن العملية التركية في شمال سوريا لا يمكن اعتبارها محاولة لمكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية.
2. لم يقدم الأمين العام لحلف الناتو أي وعود بشأن توفير نظام دفاع صاروخي أو تقديم الدعم العسكري للعمليات التركية في شمال الأراضي السورية.
في الواقع، يمكن القول إن الأمين العام لحلف الناتو خلال زيارته لتركيا قام بتوجيه ضربة للمسمار وضربة أخرى للحذاء وذلك لأن أحد أهم اهتمامات الناتو هو ألّا تجبر التطورات السياسية والأمنية في المنطقة الجانب التركي للتحرك والاقتراب من روسيا.
هل تخاف أوروبا من تركيا؟
ربما تكون التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" حول النهج الأوروبي الجديد تجاه الأكراد السوريين واحدة من أكثر المواقف السياسية الغريبة التي اتخذها سياسي حكومي بارز في السنوات الأخيرة.
يذكر أنه بعد إعلان الزعماء الأوروبيين عن مواقفهم تجاه ما يسمى بعملية "نبع السلام"، قال الرئيس "أردوغان": "إذا أطلق الأوروبيون علينا اسم المحتلين، فسوف نفتح الأبواب حتى يذهب ثلاثة ملايين ونصف لاجئ سوري إلى أوروبا".
وعلى الرغم من أن تهديد "أردوغان" قد يبدو خدعة سياسية ومن المستحيل على ما يبدو نقل ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري من تركيا إلى أوروبا، إلا أن الأوروبيين خافوا من هذا التهديد، وذلك لأنهم يعلمون جيداً بأنه لو تم نقل كل أولئك المهاجرين إلى أوروبا، فإن العديد من الدول الأوروبية ستواجه العديد من المشكلات الاقتصادية والأمنية.
وفي الختام، ينبغي القول بأنه على الرغم من أن الأوروبيين يخشون من العديد من القضايا مثل "داعش" والنازحين، إلا أنهم يتجنّبون تقديم الدعم السياسي للأكراد السوريين إلى حدّ كبير، ولكن أمريكا في وضع مختلف، ويعود نقص الدعم الأمريكي للأكراد إلى طبيعة السلوك الأمريكي المتقلّب والباحث عن المصلحة الأمريكية والذي زاد بشكل كبير خلال فترة حكم "ترامب" أكثر من أي وقت مضى، ونتيجة لذلك، فإن نهج الدول الغربية تجاه المخاوف الحالية للأكراد السوريين لا يمكن أن يتجاوز المواقف المؤقتة والإعلامية.