الوقت- تظهر التطوّرات الميدانية والصراعات التي اندلعت في البحرين منذ عام 2011 وحتى هذه اللحظة بأن هناك هويتان متضاربتان ومتضادتان تتعديان المقاربات الطائفية والعرقية.
الأولى تتمثل في الهوية البحرينية، التي يستفيد منها حوالي 90 في المئة من السكان البحرينيين، ولكن الهوية الأخرى، فهي متعلقة بأسرة "آل خليفة"، التي تهتم فقط ببقاء عرشها وملكها، ولهذا فإنها لا تتردد في ارتكاب أي جريمة ضد الأغلبية الساحقة من شعبها وخلال السنوات الماضية عمل "آل خليفة" إلى جانب السعودية وأمريكا والقوى الغربية، وقاموا بتوجيه اتهامات مثل الطائفية والإرهاب ضد المتظاهرين البحرينيين المسالمين.
وفقاً للمادة الرابعة من دستور مملكة البحرين التي تم التصويت والموافقة عليها في عام 2002، فإن العدالة هي أساس الأحكام، وجميع الناس متساوون في الحقوق والواجبات سواء أكانوا مختلفين في الجنس أم الأصل أم اللغة أم الدين أم المذهب، ولكن الواقع يحكي غير هذا، حيث كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن نظام "آل خليفة" عمل خلال الفترة الماضية وما زال يعمل حتى هذه اللحظة على غرس العنصرية داخل المجتمع البحريني، ضارباً بجميع مواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط.
وحول هذا السياق، كشف منتدى البحرين لحقوق الإنسان في تقرير له نشره قبل عدة أسابيع، أن الحكومة البحرينية مازالت مستمرة في تكريس سياسة التمييز ضد مكوّن وطني رئيس كبير في البحرين هو الطائفة الشيعية ضمن مخطط يهدف لإقصاء أغلبية سياسية تطالب بالتغيير الديمقراطي والمشاركة في إدارة الدولة، مشيراً إلى أن السلطة البحرينية تتعمد الإمعان في التمييز لجعل التغيير السياسي محظوراً، وهذا الأمر ولّد بيئة من الاضطهاد تغيب فيها صورة الدولة وتظهر فيها السلطة مبنية على الاحتكار والتهميش.
وأكد المنتدى أن التمييز كسلوك هو ضد المواطنة المتساوية التي هي أحد مقومات الديمقراطية، وهذا السلوك تمارسه جهات رسمية في الدولة بحيث يمكن وصفه بالعقيدة وليس سلوكاً فردياً.
ولهذا فإننا هنا سوف نحاول تسليط الضوء أكثر على بعض الإجراءات العنصرية التي قامت بها الحكومة البحرينية ضد أبناء الطائفة الشيعية منذ اعتماد دستور المساواة في عام 2002 وحتى الآن:
1) التمييز على المستوى السكني
في عام 2005، كشف العديد من الحقوقيين البحرينيين عن تقارير فاضحة عن خطة جهنمية تنوي الحكومة البحرينية القيام بها لحرمان أبناء الطائفة الشيعية من حقوقهم المدنية والسكنية ووفقاً لتلك التقرير، لم يكن للشيعة حقوق مدنية كاملة وإنما تمّت معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة.
لكن النقطة الأساسية في هذا التقرير الفاضح كانت خطة إعادة الهيكلة الديموغرافية من خلال إعادة توطين عشرات الآلاف من مواطني البلدان الأخرى من شبه القارة الهندية وبعض الدول العربية، وخاصة من سوريا واليمن والأردن والسعودية في المناطق التي يسكن فيها أبناء الطائفة الشيعية.
وبحسب الأرقام الرسمية فإن النظام البحريني قد جنّس أكثر من 95 ألفاً من العام 2004 حتى العام 2010 وهنا يمكن القول بأن هذا السيناريو لعملية التجنيس السياسي، وتداعياته يؤثر على هوية البحرين وتركيبتها السكانية وثقافتها وهي تستهدف الشيعة بشكل أساسي لتحويلهم إلى أقلية.
2) الاضطهاد على المستوى السياسي
التمييز السياسي يعني ضعف المشاركة السياسية الشيعية في أعلى المراكز الحكومية وعدم وجودها في مراكز صنع القرار بسبب الحرمان والتمييز.
وهنا تكشف العديد من التقارير الإخبارية بأن السلطة التنفيذية في البحرين مارست حملات القمع والفصل من العمل لآلاف المواطنين من الشيعة منذ عام 2011.
وتمّ منع الشيعة من العمل في وزارة الداخلية والدفاع والحرس الوطني وبقية الأجهزة الأمنية وهي من أكبر مؤسسات الدولة توظيفاً ومزايا ويتم توظيف عناصر أجنبية غير بحرينية كالهنود والباكستانيين والبلوش وغيرهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجلس الدفاع الأعلى في البحرين وهو بمثابة مجلس الأمن القومي يتكوّن من 14 عضواً 13 منهم ينتمون للعائلة الحاكمة وعضو واحد من الطائفة السنية، ولا وجود للشيعة في هذا المجلس تماماً.
3) الاضطهاد في العمل
كشفت العديد من التقارير بأن الأغلبية العاطلة عن العمل هم من الشيعة والكثير منهم مؤهل وحاصل على شهادات في مختلف التخصصات، ولفتت تلك التقارير إلى أن السلطة في البحرين عملت خلال السنوات الماضية على إيجاد اتحادات عمالية تابعة لها بهدف مضايقة الاتحادات العمالية التي تتشكل من الشيعة، والتي تدافع عن حقوقهم، والتمييز ملموس ضد الشيعة في تقلُد مناصب عليا في الشركات والوظائف الرسمية على الرغم من وجود كفاءات كثيرة فيهم، بل أكثر من ذلك حيث تم عزل وفصل الكثير منهم ممن يتقلدون قليلاً من هذه المناصب.
4) التمييز في التعليم الحكومي
وزارة التربية والتعليم أحد أهم وأقدم المؤسسات الرسمية التي تمارس التمييز ضد الشيعة، وهذا التمييز لا يقف عند الوظائف العليا بل حتى في الوظائف العادية، مثل الهيئة التعليمية حيث يتم التعاقد مع معلمين من مختلف الدول العربية في حين يوجد من الشيعة مواطنون يستطيعون أن يشغلوا هذه الوظائف.
وقد التحق بمدارس وزارة التربية والتعليم في السنة الدراسية 2012- 2013 حوالي 129 ألف طالب ينتمي حوالي 60% منهم إلى الطائفة الشيعية، في حين أن الهيكل التنظيمي للوزارة وخاصة في المناصب العليا من رتبة الوزير إلى رتبة المدير ورؤساء الأقسام ليس للشيعة فيها تمثيل، كما يتم استبعاد الطلبة من الشيعة من خريجي الثانوية العامة والحاصلين على معدلات عالية من البعثات الدراسية ومن فرص الحصول على التخصص الذي يرغبون فيه، ويتم ذلك تحت معايير غير شفافة وذلك في كل المنح والبعثات الدراسية سواء المحلية أم الخارجية.
إلى جانب آخر، يتضح التمييز الطائفي في جامعة البحرين وهي أكبر جامعة رسمية في أن الشيعة لا يشغلون إلا نسبة ضئيلة جداً في معظم المناصب القيادية الأكاديمية والإدارية، كما يتم التمييز ضدهم في ابتعاث العاملين فيها للحصول على درجات الماجستير والدكتوراة.
5) التمييز في وسائل الإعلام وفي القضاء
المشاهد للتلفزيون والإذاعة البحرينية لا يرى وجوداً للشيعة في البحرين في مختلف البرامج، ولا تغطية لأي من شعائرهم، بل لا وجود ملموس لثقافة المكوّن الشيعي ولا حتى للهجة المحلية للمواطنين من أبناء الشيعة في الإذاعة والتلفاز، ولقد برز بشكل مكشوف بعد 2011م في البرامج التي قدّمها تلفزيون البحرين الرسمي وتعرّضه للشيعة وثقافتهم حجم الاضطهاد الطائفي حيث هاجم المكوّن الشيعي مستعملاً مختلف أساليب التجريح والسباب والكراهية والسخرية من معتقداتهم ومن طقوسهم، ووصفهم بأوصاف عنصرية.
وأخذ الإعلام الرسمي وخاصة التلفزيون يعبّئ بشكل ممنهج الطائفة السنية ضد الشيعة.
وفي سياق آخر، تتساهل السلطة حيال الأشخاص من كتّاب وخطباء مساجد ورجال دين ونواب وشوريين وبمختلف مواقعهم الذين يتعرّضون للشيعية أو لرموزهم في كتاباتهم وخطبهم، دون أن تتم مساءلتهم قانونياً.
كذلك حماية المحسوبين على السلطة ممن يتعرّضون للشيعة وإفلاتهم من العقاب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة الشيعة في السلطة القضائية 12 في المئة فقط، ووصفت المفوضية السامية لحقوق الإنسان السابقة السيدة "نافي بيلاي" أحكام القضاء في البحرين بـ"الاضطهاد السياسي"، كما عبّرت منظمة العفو الدولية عن وضع القضاء في البحرين بأنه وجه من أوجه العدالة الزائفة، أما منظمة هيومن رايتس ووتش تصف طبيعة عمل القضاء باختصار، بأنه تجريم المعارضة وترسيخ الإفلات من العقاب، حيث إن المعارضة في أغلبيتها من الشيعة.