الوقت- في ظل الإستياء الدولي من السياسات الإسرائيلية المتطرفة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، وبعد مرور عدّة أشهر على تنامي الحملة الاوروبية لمقاطعة بضائع الكيان الإسرائيلي، جاءت الوثيقة البريطانية المطالبة بإعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لارتكابه مذابح في حرب غزة 2014 والتي أسفرت عن إستشهاد أكثر من 2000 مدنيًا بينهم 500 طفلاً، جاءت لترسخ حقيقة الإستياء الشعبي الأوروبي من ممارسات تل أبيب الإجرامية بحق الفلسطينيين.
ولاريب أنه رغم العلاقات المتينة بين بريطانيا والكيان الإسرائيلي، إلاّ أن الرفض الشعبي المتزايد لممارسات هذا الکيان الاجرامية ضد الفلسطينيين، بات يحرج لندن خصوصاً مع تزايد حملات مقاطعة البضائع "الاسرائيلية" والدعوى القضائية المقدمة ضد القادة "الاسرائيليين" لارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وبالتالي من الممكن أن تؤثر الوثيقة على الزيارة المرتقبة لنتنياهو الشهر القادم لمناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك بين الجانبين.
وتمكنت هذه العريضة التي نشرت على الموقع الالكتروني للبرلمان البريطاني من جمع حوالي الـ70 ألف توقيع خلال أيام من نشرها، حيث يأمل ناشطون في الحصول على مزيد من الدعم الذي يجبر البرلمان على مناقشتها. وجاء في العريضة التي اتهمت نتنياهو بمقتل فلسطينيين خلال الحرب في قطاع غزة في العام الماضي، أن "بنيامين نتنياهو سيجري محادثات في لندن في شهر سبتمبر القادم. بموجب القانون الدولي ينبغي إعتقاله لجرائم حرب عند وصوله إلى المملكة المتحدة للمجزرة التي ارتكبت بحق أكثر من 2000 مدني في 2014". ووفقا للقانون البريطاني، سيضطر البرلمان لمناقشة الموضوع في حال وقّع على العريضة أكثر من 100 ألف شخص.
وبموجب القانون البريطاني من عام 1991، والذي يهدف إلى تسهيل الملاحقة القضائية لمجرمين نازيين ومجرمي حرب، فبالإمكان إعتقال شخص في بريطانيا بتهم جرائم حرب بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص مواطنا بريطانيا متجنسا أو إذا كانت الجرائم قد ارتُكبت في بريطانيا أو في مكان آخر .
وفي أواخر شهر يونيو، كاد وزير الدفاع السابق موشيه يعالون أن يتعرض للإعتقال خلال زيارة له للندن لولا تدخل الحكومة البريطانية. في ذلك الوقت، استقبل دبلوماسيان إسرائيليان موفاز في المطار. وتم تجنب إعتقاله بعد إتخاذ سفارة الكيان الإسرائيلي في لندن والسفارة البريطانية في تل أبيب إجراءات سريعة . كذلك بعد عملية “الرصاص المصبوب” الإسرائيلية في قطاع غزة في أوائل 2009، سعى نشطاء مؤيدون للفلسطينيين إلى إستغلال قانون السلطة القضائية العالمية البريطاني لإعتقال وزيرة خارجية الکيان في ذلك الوقت، تسيبي ليفني، ومسؤولين إسرائيليين آخرين، من بينهم جنرالات كبار كانوا يقومون بزيارة لبريطانيا .
على الجانب الآخر أكدت وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها أن العريضة مجرد ممارسة عامة دون وجود معنى حقيقي لها مشيرة في ذلك إلى أن "العلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل هي أقرب من أي وقت مضى، كما يتضح من البيانات التي تظهر تضاعف التجارة المتبادلة في السنوات الأخيرة، والتعاون في الدراسات الأكاديمية والثقافية والعلمية بين البلدين " .
ومن المنتظر أن يلتقي نتنياهو، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، لإجراء محادثات في سبتمبر حول عدة مواضيع، تشمل القضية النووية الإيرانية .
بين الشعب والحكومة
تعكس وثيقة إعتقال نتنياهو الإستياء الشعبي البريطاني من سياسات نتنياهو الإجرامية، ولا شك في أن طرحها برلمانياً في حال حصلت على 100 ألف توقيع (يستحيل لأي شخص أن يوقّع أكثر من مرة لان التوقيع بالرقم القومي) سيضع لندن مجدداً في موقف حرج بعد أن تدخلت الحكومة لمنع إعتقال شاؤول موفاز وإيهود باراك في وقت سابق، رغم أن الأمر لا يبدو مختلفاً مع نتنياهو لو طرحت قضيته في البرلمان.
لقد أثبتت التجارب السابقة أن كل المحاولات الرامية لاستخدام القوانين المحلية للقبض على شخصيات سياسية أجنبية وخصوصاً الشخصيات الإسرائيلية تفشل تماما، بل وصل الأمر إلى أن بعض الدول غيرت قوانينها المحلية حتى لا تسمح بمحاكمة إسرائيليين على أرضها .
ورغم أن محاكمة نتنياهو أمر مستبعد من الحكومة البريطانية، حتى اذاما حصلت الوثيقة على أكثر من 100 ألف توقيع وطرحت في البرلمان، إلا أن محاولات إظهار نتنياهو على طبيعته بمظهر مجرم حرب، هي عبارة عن محاولات تستحق كل جهد ممكن، حتى إذا كانت من ناحية تنبيه الرأي العام إلى الطبيعة الإجرامية للكيان الإسرائيلي، وعنصريته وخروجه عن الشرعية الدولية والقانون الدولي.
لقد أثبتت الجهود الفلسطينية في الخارج أنها لا تقل اهمية عن تلك التي تقوم بها فصائل المقاومة في فلسطين، بإعتبار أنها تدخل في إطار الحرب الناعمة وتكشف للعالم حقيقة هذا الكيان الإجرامي، وبالفعل بدأت تؤتي أُكُلها مع بداية حملة المقاطعة الاوروبية للبضائع الإسرائيلية، وربّما نصل في يوم من الأيام إلى إعتقال مجرمين أمثال نتنياهو.