الوقت- كشفت العديد من المصادر الإخبارية أن القاهرة رصدت أخيراً تزويد "إسرائيل" للحكومة الإثيوبية بمنظومة صواريخ دفاعية جديدة لتأمين محيط سد النهضة، المتنازع بشأنه مع مصر.
وحول هذا السياق، ذكر موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي وجود حالة توتر كبيرة بين مصر و"إسرائيل" على خلفية إكمال "تل أبيب" نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية "سبايدر" حول سد النهضة الذي بنته إثيوبيا، وقال هذا الموقع الإسرائيلي: إن مكتب الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" شهد مشاورات حول كيفية إقناع "إسرائيل" بالتوقف عن نشر نظام الصواريخ هذا في إثيوبيا.
وأضاف الموقع: إن "تل أبيب" رفضت النداءات المباشرة وغير المباشرة من الرئيس المصري الواردة إلى مكتب رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، وحسب هذا الموقع الإسرائيلي فقد بدأت "إسرائيل" ببناء النظام الدفاعي حول السد العملاق في أوائل شهر مايو، وانتهى بعد شهرين ونصف، وذلك عقب قرار إثيوبيا شراء النظام الإسرائيلي المضاد للطائرات بعد تتبع أدائه خلال الاشتباكات العسكرية التي وقعت قبل خمسة أشهر بين الهند وباكستان في كشمير .
وهنا يرى العديد من المحللين والمراقبين الدوليين بأن هذه القضية جاءت كورقة للضغط على الجانب المصري للمضي قدماً في صفقة القرن المشؤومة وتحذير لباقي الدول العربية التي تعارض هذه الصفقة.
العلاقات المصرية الإثيوبية
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا قبل أكثر من ثمانية عقود وبالتحديد عام 1930، وفي عهد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، طالبت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا، وكان موقف مصر في تلك الفترة هو احترام وتأييد قرار الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1950 والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا في اتحاد فيدرالي، ومنذ بدء العلاقات بين البلدين وقّعت مصر وإثيوبيا أكثر من 30 مذكرة تفاهم واتفاقية، وتأتي أبرز الاتفاقيات في تسيير خطوط جوية منتظمة عام 1952، واتفاق التجارة عام 1959، اتفاق التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي والفني عام 1976، واتفاق بين البنك المركزي المصري والبنك الأهلي الإثيوبي عام 1976، ومعاهدة لتسوية المنازعات عام 1986، بالإضافة إلى عشرات من اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والفنون والتعليم والصحة والسياحة بين البلدين.
ظهر التوتر في العلاقات المصرية الإثيوبية في سبعينيات القرن الماضي بسبب إريتريا، بعد دعم الخرطوم لحركة تحرير إريتريا، ومساندة إثيوبيا لحركات تحرير جنوب السودان، وأعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقوفه إلى جانب السودان ما كان له التأثير السلبي على العلاقات المصرية الإثيوبية.
وعقب ثورة 25 يناير 2011، أخذت العلاقات بين مصر وإثيوبيا محوراً مختلفاً، بعد شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة، وعرض الاتفاقية الإطارية بين دول حوض النيل" اتفاقية عنتيبي" التي تعترض عليها مصر والسودان على البرلمان الإثيوبي لإقرارها.
وفي مارس 2015، وقعت مصر وإثيوبيا والسودان اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم تقديراً للاحتياج لمواردهم المائية العابرة للحدود وإدراكاً لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان.
وفي وقتنا الحالي، يعتبر ملف سد النهضة أهم الملفات العالقة والمؤثرة بشكل كبير على مجريات العلاقة بين مصر وإثيوبيا، وذلك لارتباطه بموضوع حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وفي نفس الوقت يرتبط برغبة الإثيوبيين في تحقيق طموحهم نحو حياة أفضل.
إن القلق يسيطر على المصريين خوفاً من تأثّر حصّتهم من نهر النيل والبالغة 55 مليار متر مكعب، مصدر المياه الرئيس لهم، بسبب حجز كميات من المياه ضمن مشروع سد النهضة، ومن ثم فإن أي تصريح إثيوبي يتعلّق بهذه المسألة الحساسة سوف يسهم بلا شك في تعكير صفو العلاقات بين الدولتين الإفريقيتين الكبيرتين.
المصالح والأطماع الإسرائيلية
سوف نسلط الضوء هنا على الأطماع الإسرائيلية التي تسعى للحصول عليها من مشاركتها في أزمة سد النهضة:
1. حصار الدول المعادية: تعتبر "إسرائيل" الدول العربية التي شاركت في حرب الستة أيام، أعداءها الرئيسيين والاستراتيجيين، ولهذا فلقد بذل القادة في تل أبيب الكثير من الجهود السياسية والاقتصادية خلال الفترة الماضية لفرض ضغوطات شديدة على تلك الدول.
وحول هذا السياق، قال "بن غوريون" أول رئيس وزراء إسرائيلي: "لا يمكننا إجبار جيراننا على توقيع معاهدة سلام معنا، لكن لا شيء أفضل من العثور على صديق في آسيا وإفريقيا لا يمكنه أن يقلل من كراهية العرب تجاهنا".
2. حلم السيطرة من النيل إلى الفرات: بعد فشل خطة الشرق الأوسط الجديدة عقب انتهاء حرب 33 يوماً، حاولت "إسرائيل" توسيع نفوذها السياسي في القوقاز والشرق الأوسط وإفريقيا ويعتبر هذا التأثير السياسي مقدمة للتأثير العسكري والأمني لهذا الكيان، ولهذا يعتقد قادة تل أبيب بأن نهر النيل له أهمية أيديولوجية وجيوسياسية بالغة.
3. تهدئة الإثيوبيين والحفاظ على جماعات الضغط في إثيوبيا: أحد أهداف السياسة الخارجية لـ "إسرائيل" هو تكوين لوبيات وجماعات موالية لها في البلدان المستهدفة؛ وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن الاحتجاجات الإثيوبية داخل "إسرائيل" فاقمت المشكلات الداخلية للكيان الصهيوني وقوّضت علاقاته مع إثيوبيا وعلى التأثير الصهيوني في إثيوبيا، ولهذا فلقد تدّخل القادة الإسرائيليون في الأزمة الحالية بين مصر واثيوبيا لكي يؤكدوا للجانب الإثيوبي بأنهم إلى جانبهم.
4. خلق ارتباك في السياسة الخارجية المصرية: لقد ضعفت السياسة الخارجية المصرية منذ تولي "السيسي" زمام الأمور في مصر، وذلك لأنه قام بتحديد سياسة مصر الخارجية بما يتماشى مع مصالح السعودية والإمارات، وفي وقت سابق من عام 2019 صرّح الرئيس "السيسي" في مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، أن مصر تقاتل حوالي ألف إرهابي تابع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سيناء وأن القاهرة سمحت للإسرائيليين بالقيام بعمليات جوية ضد هذه الجماعة الإرهابية، ولذلك يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن مصر في الوقت الحالي عاجزة عن الوقوف في وجه "إسرائيل"، وأن توتراتها مع إثيوبيا، سوف تصبّ في مصلحة "إسرائيل".