الوقت- يشهد المناخ الدولي في الآونة الأخيرة تغيّرات جذرية فيما يخص الأزمة السورية حيث تُظهر الجولات المكوكية واللهجة "الجديدة" للعديد من الدول الفاعلة في الأزمة السورية أن الخيار السياسي بات مطروحاً وبقوة على الخط الساخن مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد أكثر من أربع سنوات على إعتماد لغة السلاح ودعم الجماعات الإرهابية في سوريا.
ولم تكن هذه التغيّرات وليدة الصدفة أم نيةً حسنة، ما يدفعنا للبحث عن الأسباب التي قادت الرئيس الأمريكي باراك أوباما للإعلان عن بارقة أمل للحل السياسي في سوريا، وكذلك تأكيد عادل أحمد الجبير وزير الخارجية السعودية على ضرورة الحل السياسي رغم إصراره على رحيل الأسد، ولكنه إصرار ينطوي على عدم الإصرار أيضاً، فالرياض التي غذّت الحرب في سوريا باتت مجبرة على الرضوخ للحل السياسي من دون الرئيس الأسد في سوريا، إلا أنها قد تنتقل قريباً إلى حل سياسي مع الرئيس الأسد خاصةً أن نار الجماعات التكفيرية بدأت تسيطر على ثوب آل سعود.
إن مخاض ولادة الحل السياسي تشي بالبحث عن الأسباب الحقيقية لذلك، فما هي الأسباب الواقعية التي دفعت بالموقف الإقليمي والدولي للإنسحاب إلى الميدان السياسي؟ أين تقف المقاومة من ذلك؟ وما هو دور الجماعات التكفيرية؟
شهدت سنوات الأزمة السورية رفضاً قاطعاً للحديث عن أي حل سياسي في ظل الرئيس الأسد، فقد ساهم الدعم التركي والخليجي (قطر والسعودية) في ظهور وإستقامة عود الجماعات التكفيرية، إلا أن صمود الجيش السوري والمقاومة الشعبية في وجه هذه الجماعات الإرهابية حال دون سقوط دمشق في أيادي هذه الجماعات، وبالتالي دخول سوريا والمنطقة في نفق مظلم قد لا نخرج منه بعشرات السنين.
لم يأبه الجيش والمقاومة بكافّة الدعم العسكري والمالي والسياسي الذي حظيت به مختلف الجماعات الإرهابية في بداية الأزمة، بل أتُخذ القرار بالمواجهة حتى النهاية حفاظاً على سوريا والمنطقة، وقد ساهم وقوف الجيش والمقاومة أمام هذه الجماعات بالحد من إنتشارها على الأراضي السورية فضلاً عن تحقيق الإنتصارات في العديد من الجبهات وتكبيد داعش وأخواته خسائر فادحة. ولكن في مرحلة لاحقة أدركت بعض هذه الدول أن الجماعات الإرهابية خرجت عن سيطرتها وبدأت تسري إلى دول مجاورة، عندها أخذت قراراً بالمواجهة (كانت شكلية حتى وقت قريب) معلنةً تشكيل تحالف دولي للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي الذي بات يهدد العديد من الانظمة الإقليمية.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، ماذا لو لم تقف المقاومة أمام الجماعات التكفيرية في سوريا؟ هل سيكون هناك أي فرصة للحل السياسي في دمشق في ظل سيطرة الجماعات التكفيرية على كافّة أنحاء البلاد؟
لا شك في أن الصمود التاريخي للجيش والمقاومة في وجه الجماعات التكفيرية المدعومة دولياً هو السبب الرئيسي في الحديث حالياً عن بوادر حل سياسي، فلولا هذا الصمود لكانت سوريا والعراق ومصر ولبنان وجزء من الأردن وربّما العديد من الدول الخليجية، على شاكلة الموصل والرقّة، لا تعدو عن كون كلٍّ منها إمارة صغيرة في ظل الخلافة الإسلامية المزعومة خاصةً أن مشرّعي داعش لايعيرون أي إهتمام للحدود الجغرافية والقوانين الدولية.
اذاً، وبصرف النظر عن الخلافات السياسية القائمة، واذاما كانت المرحلة السياسية المقبلة ستشهد رحيل الرئيس السوري بشار الأسد أم إنتخابه مرّة جديدة كممثل شرعي للشعب السوري، يعود الفضل الأكبر لأي حل مستقبلي في سوريا لسواعد الجيش والمقاومة، فلولا هؤلاء الأبطال الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل القضيتين العربية والإسلامية لكنا نقف اليوم على أطلال سوريا والعراق ومصر ولبنان، وربّما لاحقاً السعودية وقطر وتركيا.
قد تشهد الازمة السورية في المستقبل القريب طروحات جدّية لحلول جذرية تفضي إلى الحل السياسي مع بعض الجماعات المسلحة مقابل الحصول على دور في مستقبل دمشق، عندها سيقف العالم بأسره لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وسيدرك القاصي والداني أن لا مناص من الإذعان بدور وفاعلية الجيش والمقاومة الشعبية للقضاء على التنظيمات الإرهابية. بإختصار المرحلة المقبلة للمنطقة ترسم حالياً على أيادي المقاومة وإن غداً لناظره لقريب.