الوقت- قبل عدة أيام أطلق قادة البيت الأبيض الكثير من التهديدات شديدة اللهجة للاتحاد الأوروبي، وأعربوا بأن هذا الاتحاد سوف يُمنى بعواقب اقتصادية وسياسية إذا استمر في تطوير مشاريعه الدفاعية الخاصة، وحول هذا السياق كتب نائب وزيرة الخارجية الأمريكية "إلين لورد" رسالة إلى رئيسة الدبلوماسية الأوروبية "فيديريكا موغيريني"، قال فيها بأن خطط بروكسل الحالية تهدد التكامل بين الدول الغربية التي جرى تحقيقها خلال العقود الأخيرة داخل منظمة حلف شمال الاطلسي "الناتو".
وهنا يمكن القول بأن المخاوف الأمريكية قد تكون مرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما قد يجعل برلين تتعاون بنشاط أكبر مع باريس، وليس مع لندن، التي تدعمها أمريكا.
وفي الصدد، قال عضو لجنة الدوما الحكومية للسياسة الدولية، "أنطون موروزوف": "إن وراء استياء أمريكا من خطط الاتحاد الأوروبي لتطوير قطاع الدفاع، رغبة أمريكية في مواصلة سياسة احتلالها لأوروبا التي بدأتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية".
ووفقاً له، هناك في النخبة الأوروبية الحاكمة، كثيرين من أنصار التأثير الأمريكي على أوروبا، وهم يعتقدون بأن أمريكا على الرغم من كل شيء، إيجابية التأثير.
وبالتالي، فسيدعم معظم السياسيين الأوروبيين نوايا واشنطن للحفاظ على تأثيرها القوي على الاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى سياسات الهيمنة الأمريكية على الدول الأوروبية فإنه يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، عمَّ تبحث أمريكا وما هي الأهداف التي تريد أن تحققها؟
التعاون الأمني والاقتصادي بين أمريكا والدول الأوروبية
بعد الحرب العالمية الثانية، أطلقت أمريكا أكبر خطة تتعلق بسياساتها الخارجية، جاءت تحت عنوان إعادة الإعمار في أوروبا، وقيل في ذلك الوقت بأن هذه الخطة تهدف إلى إزالة مشكلات ما بعد الحرب وخلق بيئة آمنة من أجل القضاء على الديكتاتورية، لكن المساعدات المالية الأمريكية التي كانت تقدّر في ذلك الوقت بـ 13 مليار دولار، أي نحو 150 مليار دولار في أيامنا هذه، كانت تسعى لتحقيق أهداف أخرى.
وحول هذا السياق، أكدت العديد من التقارير الإخبارية بأن أمريكا كانت تقدّم هذه المساعدات للدول الأوروبية من أجل تشكيل حكومات أوروبية موالية للبيت الأبيض وخاضعة له، وإنشاء سوق للمنتجات الأمريكية في تلك المناطق وفرض تعريفات جمركية على الدول الأوروبية.
"ترامب" والعلاقات مع أوروبا
لقد سعى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فور وصوله إلى البيت الأبيض إلى الاعتماد على الأرستقراطية الجديدة (الانعزالية الجديدة) والواقعية الهجومية من أجل إخراج أمريكا من النظام الأحادي القطب والانتقال بها إلى حالة الهيمنة.
وبناءً على النهج الانعزالي الجديد، فلقد تمكّن "ترامب" من الانسحاب من الكثير من المعاهدات الدولية، ومن خلال الاعتماد على الواقعية العدوانية تمكّن أيضاً من تعظيم القوة الأمريكية، والدخول في منازعات مع كتل القوى الأخرى المنتشرة في العالم كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
وعلى الرغم من أن نزاع أمريكا مع الصين وروسيا قديم جداً، إلا أنه فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية مع الكتلة الأوروبية وتشابه الأنظمة السياسية الديمقراطية والليبرالية الأوروبية والأمريكية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، فلقد كان يُعتقد أنه لن يحدث نزاع أو صراع محتمل بين الدول الأوروبية وأمريكا ولكن الأوضاع تغيّرت وزادت أطماع واشنطن، وكل هذه الأمور قد تؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث مواجهات عسكرية بين هذين النظامين.
الإجراءات الأوروبية والمخاوف الأمريكية
مع استقالة "جيمس ماتيس" من وزارة الدفاع الأمريكية كآخر شخص يدرك ويهتم بالمصالح الأمنية الأوروبية في إطار العلاقات الودية والتقليدية، ازداد قلق الدول الأوروبية أكثر فأكثر، وبدأت تفكّر بتشكيل قوة موحّدة، والخروج من تحت مظلة الهيمنة الأمريكية. وحول هذا السياق، قال "كارل بالديت"، رئيس الوزراء السويدي السابق: "هذا تحذير لأوروبا، لقد دفع قرار "ترامب" الأخير والمفاجئ بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان وسوريا، أوروبا إلى التفكير بشكل جدي في وضع سياسة أمنية مستقلة عن أمريكا". ومن جهته أعلن "جان كلود يونكر"، رئيس لجنة الاتحاد الأوروبي، عن تشكيل جيش موحد أوروبي خلال الفترة القادمة.
وهنا يمكن القول أنه بالنظر إلى عدم التزام "ترامب" بتعهداته الأمنية، سارعت أوروبا لمحاولة إنشاء ترسانة أمنية مستقلة عن واشنطن. يذكر الاتحاد الأوروبي كان قد أقرّ إنشاء صندوق أوروبي للدفاع بقيمة 13 مليار يورو لتمويل مشاريع صناعية عسكرية خلال الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2027.
أبرز آثار ونتائج خطط الدفاع الأوروبية
باختصار، تشير التدابير المتضادة الأوروبية والأمريكية إلى ما يلي:
1. أصبح التشويش يخيّم على استراتيجية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأمنية المتعلقة بآفاق التعاون مع الدول الأوروبية.
2. إحدى سياسات الرئيس "ترامب" تتمثّل في منع أقطاب القوى الضعيفة من خلق فجوات بين القوى القوية، وفي هذا السياق، على الرغم من وجود فجوة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة في أوكرانيا، إلا أن هناك مقاربة بين الصين والاتحاد الأوروبي بسبب تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما خلال السنوات القليلة الماضية.
3. إن التهديد الذي يشكّل أكثر أهمية بالنسبة لقادة الأبيض، يتمثّل في البعد الأيديولوجي للاستقلال الأوروبي عن واشنطن، وهنا يمكن القول بأن أوروبا يمكنها أن تحلّ محلّ أمريكا في قواعد الديمقراطية الليبرالية، التي ادّعت أمريكا أنها أسستها وطبّقتها على مدار السبعين سنة الماضية.
4. لقد عملت الدول الأوروبية خلال السنوات الماضية إلى وضع الكثير من البرامج والخطط الدفاعية لتطوير معدات عسكرية احتكارية خاصة بها، وهذا الأمر من شأنه أن يلحق الضرر بسوق تصدير الأسلحة الأمريكية في المستقبل القريب، حيث تملك أمريكا تقريبا 34 ٪ من صادرات العالم، في حين أن الاتحاد الأوروبي يملك 23% من صادرات العالم، وهو بهذا يُعدّ المنافس الأول والأبرز لواشنطن في مجال تجارة الأسلحة العالمية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن فرنسا تحتل المرتبة الثالثة، وألمانيا تحتل المرتبة الرابعة في مبيعات الأسلحة، وإذا ما تحالف هذان البلدان في مجال إنتاج المعدات العسكرية، فإن ذلك سوف يشكّل تهديداً استراتيجياً لأمريكا ولهذا نرى بأن قادة البيت الأبيض أطلقوا خلال الفترة السابقة الكثير من التهديدات للدول الأوروبية.