الوقت- في خطوة انتخابيّة بامتياز تضاف إلى الخطوات السابقة كقرار الجولان في واشنطن، ورفات الجندي في موسكو، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفاصيل جديدة حول صفقة القرن معرباً عن شروط ثلاث "لا دولة فلسطينية، لا تفكيك للمستوطنات، وسيادة إسرائيلية كاملة على القدس وغرب الأردن"، وفق تعبيره.
بعيداً عن شحن نتنياهو الانتخابي ببنود صفقة القرن، يكشف حديث "بيبي" الدعم الأمريكي الأعمى للكيان الإسرائيلي، وخطورة صفقة القرن على الواقع العربي، وأن الصراع القائم هو صراع عربي-إسرائيلي وليس فلسطينياً-إسرائيلياً كما يروّج له البعض.
فقد بدا واضحاً من خلال قرار ترامب بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان أن صفقة القرن لن تتوقّف عن حدود فلسطين التاريخية، بل ستطول سوريا عبر الجولان، ولبنان عبر مزارع شبعا والحدود البحريّة، والأردن في الغرب ومصر في سيناء.
فلسطينياً، الصفقة تؤسس لقرار أمريكي جديد بفرض السيطرة الإسرائيلية التامّة على كل مناطق الضفّة، وقد ردّ نتنياهو على سؤال بأنّه لن يضم المنطقة C مع سكانها الفلسطينيين إلى "إسرائيل"، بالقول: "إنني أعد بمفاجأة، ولا يمكنني القول بشأن الخطة، لكن الرئيس ترامب هو صديق كبير، وأشك في أن يكون هناك صديق أكبر منه في المستقبل".
قبل أشهر كانت صفقة القرن عبارة عن تسريبات غير رسميّة، اليوم باتت من خلال تصريحات المشرفين عليها، والآتي أعظم عبر النصّ الرسمي للصفقة، وبالتالي لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلا: لم يكتفِ نتنياهو بشروطه الثلاث، بل تغنّى بالانقسام الفلسطيني معتبراً أن الانقسام الفلسطيني ليس بالأمر السيّئ بالنسبة للكيان الإسرائيلي، في خطوة تؤكد الحاجة إلى الوحدة الوطنيّة الفلسطينية والترفّع عن الخلافات أكثر من أيّ وقت مضى، لكن الشروط الثلاث وإن دلّت على شيء إنّما تدلّ على نتيجة التطبيع والابتعاد عن المقاومة، وهذه النتيجة الطبيعية لأكثر من ثلاثة عقود على محاولات استرداد الحقوق التي أخذت بالقوّة عن طريق المفاوضات.
ثانياً: إن تصريحات نتنياهو تكشف حجم المؤامرة، ولكن هذه النتيجة كانت متوقّعة، لطالما ذكرنا على هذه الزاوية أن الكيان الإسرائيلي لن يتراجع تحت أي ثمن عن مستوطنات العام 2019 2018، فضلاً عن حدود العام 1967، وبالتالي إن الحديث عن مفاوضات قائمة على حلّ الدولتين أو المبادرة العربية للسلام سالبة بانتفاء الموضوع.
هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن دول الطوق التي تفاوضت مع الإسرائيلين طوال السنوات الماضية وكانت بوابة للكيان نحو الأنظمة العربية الأخرى، إن هذه الدول هي أيضاً من الخاسرين، الأردن سيخسر الوصايا على المقدّسات، وسيخسر أرضه وسيُلزم بالتوطين.
مصر ستكون مجبرة على تقديم أراضي ملصقة بغزّة لتوطين اللاجئين، فقد قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية غيلا غامليئيل، خلال زيارتها للقاهرة نهاية تشرين الثاني 2017: إنّ سيناء أفضل وأنسب مكان لإقامة دولة فلسطينية، فهل هذه الدول قادرة على تحمّل هذه التبعات؟
ثالثاً: ماذا عن الردّ العربي؟ سوريا لا تزال منشغلة بأوضاعها الداخليّة، في حين أن الأردن يسعى للمواجهة بعد أن طالته نيران الصفقة سواءً في المقدّسات أو غرب الأردن.
في مصر، الرئيس السيسي منشغل بتعديلاته ومحاولة البقاء في السلطة، أي غياب الدور التاريخي لمصر.
وأما بالنسبة للسعوديّة، فهي أحد أطراف هذه الصفقة في الخفاء وإن أظهرت تحفّظاتها في العلن.
هذا الأمر ينطبق أيضاً على الإمارات وغيرها، وبالتالي عند الحديث عن دور عربي، لا بدّ من عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، وهذه أحد أسباب العرقلة الأمريكية، كذلك لا بدّ للعراق من لعب دوره التاريخي.
تعدّ الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة أحد الأركان العربية التي يمكن التعويل عليها، في الحقيقة، يجب أن يكون الرهان الأساس على الشارع العربي، سواء الفلسطيني منه أم غير الفلسطيني.
رابعاً: لا شكّ أن هذه الصفقة ستفشل، باعتبارها لم تتركّ أي هامش لمناورة المطبّعين، العرب منهم أو الفلسطينيين، لكنها بحاجة إلى زخم شعبي غير مسبوق يعيد بوصلة الأمّة إلى قبلتها الأولى.
إن هذا التهديد، وبعد أن يفشل، سيتحوّل إلى فرصة كبيرة تعيد خيار المقاومة إلى الطاولة، وكل نظام سيعارض هذا الخيار سيكون معرّضاً للسقوط.
وما كنّا نواجهه من تحرّكات وعمليات فردية في الضفّة، قد نشاهدها اليوم من خلال عمليات جماعية قد ينفضها ثلاثة أو أربعة أصدقاء استشهاديين يؤكدون لنتنياهو أن لا أمن ولا أمان له، سواء قبل صفقة القرن أم بعدها.
ختاماً، لم يكن ليتجرّأ نتنياهو على شروطه هذه لولا تنازل العديد من الأنظمة العربية عن اللاءات الثلاث، وبالتالي إن الواقع العربي اليوم يستدعي أكثر من أي وقت مضى وعياً وحضوراً كبيرين، عبر مواجهة شروط نتنياهو الثلاث بلاءات العرب الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
بالطبع، إن صفقة القرن ظلم كبير، لكنها ستعيد خيار المقاومة إلى الطاولة، فهل ينقلب السحر على الساحر؟