الوقت- مع كل قرار كان يتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما فيما يخص دائرة الصراع العربي - الاسرائيلي، كانت تصفق "إسرائيل" للقرار المتخذ حتى تؤلمها يديها من كثرة التصفيق على اعتبار أن ترامب يمثل "المنقذ" و"الصديق الوفي" للعدو الصهيوني في هذه الحقبة الزمنية، وإن كان ألم اليدين يفرح الكيان الإسرائيلي لأنه جاء نتيجة فرح وعدم تصديق لما يفعله الرئيس الأمريكي لخدمة الصهاينة إلا أن ألماً آخر قد تصاب به "إسرائيل" على خلفية التطرف الذي يسببه ترامب في المنطقة بسبب قرارته "غير المسؤولة والرعناء" ابتداءاً من صفقة القرن مروراً بنقل السفارة إلى القدس وصولاً إلى قراره الأخير الذي أعلن من خلاله سيادة "إسرائيل" على الجولان السوري المحتل.
لا شك بأن ترامب "يعشق" كيان الاحتلال من مبدأ أن هذا الكيان يعدّ الركيزة الأساسية لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط ولولا هذا الكيان والبلبلة التي يحدثها في المنطقة لما تمت أغلب صفقات الأسلحة ولما نشبت كل هذه الحروب التي سببت فوضى عارمة في مختلف دول الشرق على المستوى السياسي والعسكري والأمني، ومن هنا أدرك ترامب أن عليه الإغراق في دعم كيان الاحتلال ظناً منه أنه بذلك يستطيع الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة، لكن الوقائع على الأرض في كثير من الأحيان لا تقول ذلك، حيث كان يتوقع الأمريكيون والإسرائيليون سوياً سقوط الدول السورية ومؤسساتها ودخولها في فوضى عارمة على شاكلة العراق، وبالتالي العبث في مقدرات هذه الدولة والسيطرة على مساحات أوسع من أراضيها والتحكم بها سياسياً وضمّها إلى محور "الاعتدال العربي" إلا أن الوقائع على الأرض كانت عكس ذلك تماماً، حيث استطاعت الدولة السورية إعادة هيبتها على جميع المناطق التي كانت خارج سيطرتها تقريباً، وهذا الموضوع أربك كيان الاحتلال من مبدأ أن سوريا تعود أقوى مما كانت عليه، وبالتالي لابد من تقديم ضمانات من قبل الدول التي تحمي "إسرائيل" لمنع تشكيل أي خطورة على كيان الاحتلال في المستقبل القريب والبعيد، ولذلك رأينا ترامب يندفع لتحقيق حلم "إسرائيل" وطموحاتها ومضى نحو تمرير ما يسمى بـ"صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية وفرض "سلام" "أحادي الجانب" تتمتع به "إسرائيل" على حساب بقية دول المنطقة، ومن ثم اعترف بالقدس "عاصمة" للكيان الصهيوني عندما وجد أن الصفقة تواجه عقبات ولا يمكن تمريرها في ظل الظروف الحالية، خاصة وأن الشارع العربي غير مستعد لمثل هذه الصفقة ولا يقبلها تحت أي ظرف.
اليوم "إسرائيل" تمرّ بظروف أقل ما يقال عنها أنها لم تعد في مصلحتها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك وجدنا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يستجدي الغرب وترامب من خلال زيارات مكوكية لإنقاذه وإنقاذ حزبه أمام المجتمع الإسرائيلي الذي فقد الثقة بالحكومة الإسرائيلية التي يقودها رجل فاسد، ناهيك عن أن الانتخابات الإسرائيلية أصبحت على الأبواب ولا بد من تحقيق أي إنجاز ولو حتى "شكلياً" لإعادة الثقة برئيس الحكومة المتهم بقضايا فساد جعلت الإسرائيليين يفقدون الثقة به، وبالتالي قد تكون خطوة ترامب الجديدة بمثابة "ورقة رابحة" بيد نتنياهو في الانتخابات القادمة، إلا أن ترامب وإن كان يسعى لإنقاذ "إسرائيل" و"نتنياهو" إلا أنه قد يجلب الفوضى للداخل الإسرائيلي ويسبب حرباً جديدة لإسرائيل لم تكن تنتظرها.
الأسباب التي تدفعنا لقول هذا أن الدولة السورية وشعبها والجيش السوري لن يتنازلوا عن "الجولان" تحت أي ظرف، خاصة وأن الجولان أرض سورية باعتراف المجتمع الدولي وجميع دول العالم، وما يفعله ترامب هو انتهاك صارخ للمواثيق الدولية وقرار أحادي الجانب قد يكلف "إسرائيل" الكثير، خاصة وأن سوريا أصبحت اليوم أكثر من اي وقت مضى مستعدة لخوض حرب لاستعادة هذه الأرض بالقوة إن لم تعدها "إسرائيل" عبر القنوات الدبلوماسية.
الرد السوري حالياً جاء عبر تصريحات المسؤولين السوريين الذين نددوا بقرار ترامب، وطلبت سوريا عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي إثر قرار أمريكا الاعتراف بما تسمّه السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتل، وهو قرار تبرره واشنطن بضمان أمن إسرائيل رغم معارضة دول أوروبية.
وفي رسالة قدمتها إلى المجلس أمس الثلاثاء، طلبت البعثة السورية لدى الأمم المتحدة من رئاسة مجلس الأمن أن تحدد موعداً لعقد اجتماع عاجل بهدف "مناقشة الوضع في الجولان السوري المحتل والانتهاك الصارخ الأخير من قبل دولة دائمة العضوية لقرار مجلس الأمن ذي الصلة".
ولم تحدد فرنسا -التي تتولى رئاسة المجلس خلال شهر مارس/آذار الحالي- موعداً للاجتماع على الفور.
وقال دبلوماسيون إن مناقشةً ستُجرى داخل المجلس في شأن طلب سوريا.
وكانت سوريا طلبت يوم الجمعة الماضي من مجلس الأمن تأكيد قرارات تنصّ على انسحاب "إسرائيل" من مرتفعات الجولان، و"اتخاذ إجراءات عملية تكفل ممارسته لدوره وولايته المباشرين في تنفيذ القرارات التي تنص على انسحاب "إسرائيل" من الجولان إلى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967".
ومن المقرر أن يناقش مجلس الأمن قضية الجولان اليوم الأربعاء خلال اجتماع من أجل تجديد ولاية قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة بين "إسرائيل" وسوريا في الجولان والمعروفة باسم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.
قرار قد لا يقدم شيئاً للصهاينة لكونه "حبر على ورق" ولا يعترف بهذا الحبر أي دولة من دول العالم، حتى إن الغرب لاسيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وبولندا، الأعضاء في مجلس الأمن، أعلنوا في بيان يوم أمس الثلاثاء رفضهم القرار الأمريكي الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على الجولان، بالتالي فإن ما يقوم به ترامب لا يتعدّى كونه "استعراض سياسي" غايته تقديم دعم معنوي لإسرائيل ونتنياهو لكن هذا الاستعراض قد يكلفهم الكثير.