الوقت- لطالما سمعنا من الأمريكيين عن غياب للاستراتيجية تجاه سوريا، الخلاف الذي وصل إلينا هو أشبه بالصدام بين وزارتي الخارجية والدفاع في عهد الرئيس باراك أوباما، تبدّل اليوم إلى خلاف بين البيت الأبيض وبقية الإدارات الأمريكية المعنيّة بالحضور الأمريكي في سوريا.
الرئيس الأمريكي الذي قدّم إبّان حملته الانتخابيّة جملة من الوعود بما فيها الانسحاب من سوريا، يسارع اليوم إلى تطبيق هذا الأمر، ولكن في إطار مشروع سياسي يسعى لاستخدامه في الانتخابات المقبلة.
يتحدّث ترامب عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابي وسط خلافات كبيرة مع إدارته، في حين يتحدّث أردوغان عن ضبابية تخيّم على الانسحاب الأمريكي، بينما تشير روسيا إلى عدم وجود مؤشرات على هذا الانسحاب.
بعيداً عن الأخذ والردّ القائم فيما يتعلّق بالانسحاب الأمريكي من سوريا، هناك جملة من النقاط التي يجب الإشارة إليها في هذا التوقيت، أبرزها:
أولاً: يحاول ترامب، المنافق الأكبر، كما وصفه السيد نصرالله أن يقدّم بلاده على أنّها هي من هزمت تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، هناك العديد من الوثائق تؤكد عن أن داعش صناعة أمريكية، هذا ما قاله ترامب نفسه إبان حملته الانتخابية عندما اتهم أوباما وهيلاري كلينتون بهذا الأمر، ميدانياً، لطالما زوّدت القوات الأمريكية تنظيم داعش بالسلاح في المعارك وعندما كان يخرج الأمر إلى العلن كانت واشنطن تتذرع بأن الأمر تم عن طريق الخطأ، على الصعيد نفسه، وجّهت القوات الأمريكية ضربات عديد للقوات التي كانت تستهدف التنظيم الإرهابي الأبرز، فهل من يفعل كل هذا يكون هو المنتصر على داعش أم شريكها في الهزيمة؟
ثانياً: يدرك الجميع جيداً من خلال خارطة الوجود الداعشي خلال السنوات الماضية والمناطق الذي خسروها من هو الطرف الذي هزم تنظيم داعش الإرهابي بالفعل، كذلك، الرجوع إلى حجم الخسائر العسكرية البشرية في القوات التي واجهت داعش تعزّز حقيقة الطرف المنتصر على التنظيم الإرهابي الأبرز.
إن الطرف الأبرز في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي هو الجيش العربي السوري بإسناد من محور المقاومة على الأرض والدعم الروسي جوّاً.
يدرك جميع الخبراء العسكريين أن الضربات الجوية لا تحسم حرباً ولا تحقّق نصراً مع القوات النظامية، فكيف تلك التي تمارس حرب العصابات؟
ثالثاً: هناك تناقض واضح في الإدارة الأمريكي حول حقيقة الانتصار المزعوم، ففي حين يستعد ترامب لإعلان النصر يؤكد الجنرال جوزيف فوتيل القائد العسكري الأمريكي المسؤول عن المعركة ضد تنظيم داعش في سوريا، أن قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات من سوريا قد جاء قبل الأوان.
الجنرال جوزيف فوتيل قال لشبكة سي إن إن الإخبارية: إن "تنظيم الدولة" لا يزال ناشطاً في سوريا، ولن تتمكن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً وحدها من التعامل مع هذا التهديد. في الحقيقة، لم يكن وجود داعش في سوريا والعراق إلّا ذريعة للدخول إلى هذه البلاد، وقد أكّد مسؤولون أمريكيون في إدارة ترامب أن الحضور الأمريكي سيستمر إلى ما بعد مرحلة تنظيم داعش الإرهابي في إشارة تؤكد أن الحضور لا يرتبط بداعش بل داعش هي الذريعة.
لكن ترامب الذي يمتلك رؤية أخرى تتعلق بالخروج، رفض ذرائع البقاء، الأمر الذي أدّى إلى استقالات في إدارته.
رابعاً: في الحقيقة، مثّل تنظيم داعش الإرهابي ذريعة للوجود والبقاء الأمريكي في سوريا.
التحالف الأمريكي عمد إلى إنقاذ التنظيم في العديد من المواقع، كما أن ضرباته لتنظيم داعش أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين، حيث كان يخرج التحالف الدولي ببيانات اعتذار، وتسعى منظمات دولية لفتح تحقيق، ولكن دون أيّ نتيجة.
خامساً: يبدو أن ترامب يسعى اليوم لتحقيق هذا الأمر بغية وضعه في سجلّ إنجازاته "الوهمية".
يتعرّض ترامب في الآونة الأخيرة لضغوطات داخلية سواءً تلك التي تتعلّق بالمحقّق مولر، أم المرتبطة بحالة الطوارئ، ومن هنا يسعى الرئيس الأمريكي لتعزيز أوراقه عبر إعلان الانتصار على داعش والخروج من سوريا.
هناك رفض أمريكي شعبي للحضور العسكري خارج البلاد بعد تجربتي العراق وأفغانستان، وبالتالي يسعى الرئيس ترامب لتعزيز أوراقه في الشارع الأمريكي عبر هذا الأمر.
في الحقيقة، يبدو الحديث الأمريكي عن الانتصار على داعش فكاهياً أكثر منه سياسياً، ويسعى ترامب لاستخدامه في الداخل الأمريكي، ولو راجعنا أدبيات الأمريكيين أنفسهم لوجدنا أن الإدارة الأمريكية ليست شريكة في الانتصار على داعش، بل هي شريكة في الهزيمة مع التنظيم الإرهابي.