الوقت- قبل ثلاثة أسابيع فقط كانت وحدات الجيش التركي تتهيأ للتدخل العسكري في سوريا خوفاً من إنتصار الأكراد وتمددهم على الحدود الجنوبية، وبعدها حصل تفجير سوروج الإنتحاري الذي تبنّاه تنظيم داعش الإرهابي مستهدفاً تجمعاً لداعمين للأكراد والذي طرح حوله مراقبون علامات إستفهام، وأمس تعرضت القوات التركية المنتشرة على الحدود مع سوريا لهجوم، حيث استهدفت مجموعة مسلحة من داعش احد المراكز العسكرية على الحدود، ما أدى إلى مقتل عسكري وإصابة اثنين، فيما استهدفت المدفعية التركية المنطقة التي شنّ المسلحون الهجوم منها . وسبق هذا الهجوم الحديث عن إرسال جنرال تركي إلى سوريا لمواكبة التواصل حول التحالف الجديد الذي طرحه الرئيس الروسي بوتين لمواجهة الإرهاب.
أحداث متسارعة حصلت في أقل من شهر أربكت تركيا إذا أحسنّا الظن، ودفعتها لإتخاذ مواقف وإجراءات ميدانية غيّرت خلالها من تمترسها، وأعلنت في الظاهر الحرب على داعش بعد أن وصل لهيب النار التي أشعلتها في سوريا إلى بيتها الداخلي.
فكيف ستتعامل أنقرة مع الأحداث المتسارعة؟ ولماذا بدلت أنقرة موقفها فهل انقلب السحر على الساحر؟ وما أفق ما سُرّب عن تواصل مع النظام السوري؟ وكيف ستنخرط بالتحالف الرباعي الجديد بحسب المبادرة الروسية في ظل الإعلان عن إتفاق أمريكي تركي لوقف تسلل المقاتلين إلى سوريا؟ فهل أنّ الأمريكي قد وافق على المبادرة الروسية؟
أسئلة تنتظر الأيام القادمة لتوضيح الانعطاف في الموقف التركي والإرباك الحاصل في نفس الوقت، فالرسائل الموجهة إلى تركيا أصبحت كثيرة ومن جهات عدة.
يرى مراقبون أنّ الأحداث الجديدة على الحدود التركية السورية واشتباك الجيش التركي مع تنظيم "داعش"، قد يكون بداية حرب غير معلنة بين الجيش التركي والتنظيم. فقد أشار حاكم ولاية كيليس التركية الحدودية، سليمان طابسيز، إلى أن "أحد المواقع العسكرية على الحدود في منطقة ألبيلي تعرض لإطلاق نار من قِبل عناصر داعش، ما أدى إلى مقتل ضابط وجرح جنديين آخرين"، وذلك جراء اشتباكات وقصف متبادل بين الجيش التركي ومسلحي تنظيم داعش على الحدود مع سوريا . ويعتبر هذا الإشتباك ذات علامة فارقة كونه الإحتكاك الاول من نوعه بين مسلحي داعش والجيش التركي رغم أنّ المعلومات كانت تتحدث لغاية الأيام القليلة الماضية عن إستمرار التدفق والتنسيق والدعم للمجموعات الإرهابية من قبل تركيا، فما الذي حصل؟
وقد سمحت تركيا لسلاح الجو الأمريكي باستخدام قاعدة "إنجرليك" لشنّ ضربات جوية ضد تنظيم داعش وذلك حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس عن مسؤولين في وزارة الدفاع التركية. وذكرت وسائل إعلام محلية تركية أنه تم وضع اللمسات النهائية على الاتفاق في ساعة متأخرة من يوم الأربعاء الماضي . وأصبح واضحاً بعد الاتصال الهاتفي الذي حصل بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي، أنّ تركيا أصبحت تستشعر بشكل كبير خطر الإرهاب الذي دعمته وموّلته والإمتداد الكردي على حدودها الجنوبية، فهي تواجه إتهامات بأنها فتحت حدودها لتدفق مسلحين من كل العالم للقتال في سوريا وهي الآن لا تعرف كيف تبعد عنها النار التي أوقدتها في سوريا على مدى أربع سنوات مضت.
فالأوضاع الأمنية والسياسة الداخلية في تركيا تسوء يوماً بعد آخر. فقد أعلنت "حركة الشبيبة الوطنية الثورية"، المقرّبة من حزب العمال الكردستاني، أنها قتلت في إسطنبول تاجراً يُدعى "مرسل غول"، أكدت الحركة انتماءه إلى تنظيم داعش، وذلك رداً على هجوم سوروج الانتحاري، وأعلنت الحركة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أمس "مواصلة العمليات ضد عصابة داعش: "لقد حددنا عدداً من المقاتلين، وسنقوم بتصفيتهم". وفي حادث آخر، أدى هجوم مسلح قبل الأمس إلى مقتل شرطي مرور وإصابة زميل له إصابة خطرة، وذلك في ولاية ديار بكر، جنوب شرق تركيا.
فالأجواء السياسية والأمنية المضطربة لا توحي إلا بتصعيد ما وسيناريو جديد يُرسم لتركيا. وفي سياق آخر أقدمت صحيفة "ملييت" التركية على إقالة أحد أبرز محرريها، وذلك بعد نشره تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي، "تويتر"، لمّح فيها إلى مسؤولية أردوغان عن تفجيرات سوروج. وكان الصحافي غورسيل قد علّق كاتباً: "من المخجل أن يتصل مسؤولون أجانب بالشخص الذي يُعتبر المسؤول الأول عن إرهاب داعش في تركيا، لتقديم التعازي بعد الإعتداء الإنتحاري" .
كلها أحداث تدفع بأنقرة إلى تعديل موقفها لتدارك الأسوأ والحفاظ على أمنها فعوامل عدة تقف خلف انعطاف الموقف التركي ومنها:
- تنامي الخطر الإرهابي ووصوله إلى الداخل التركي خاصةً بعد إتهام داعش بالوقوف وراء التفجيرات التي حدثت داخل تركيا وآخرها الذي ضرب منطقة سوروج.
- القلق التركي من تزايد نفوذ الأكراد قرب حدودها الجنوبية.
- تزايد الضغط الغربي على أنقرة بخاصة من قبل واشنطن لمواجهة خطر الإرهاب.
- إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في تركيا والضغوط الداخلية على حزب العدالة والتنمية الحاكم من معارضيه التقليديين كالحزب الجمهوري والجدد كجماعة فتح الله غولن.
- توقيع الإتفاق النووي بين إيران والغرب وتراجع حلف داعمي المعارضة المسلحة والإرهابيين.
ففي ظل تقارب أمريكي تركي بعد تعارض أولوياتهما والحديث عن تواصل تركي سوري، فإنّ تركيا في موقف لا تحسد عليه وتريد التعلق بأي شيء والتحالف مع أي كان لدرء الإرهاب الذي غذته عنها، في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تبدلات وتحولات لن تستثني على الأرجح أنقرة التي يرى مراقبون أنّها نضجت كي تكون التالي على لائحة المخطط الأمريكي الإرهابي في المنطقة.