الوقت- "العمل انتهى قبل يوم"، بهذه العبارة خاطب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الرئيس فلاديمير بوتين وأعضاء مجلس الأمن القومي، حول مسألة تسليم روسيا لسوريا نظام الدفاع الجوي الصاروخي إس-300.
عملية التسليم التي أثارت قلق كل من واشنطن و"إسرائيل" على حدّ سواء، فتحت الباب على تساؤلات عدّة ترتبط بمجريات الأزمة في سوريا.
روسيا التي صرفت النظر لمدّة عن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السوريّة، لجأت إلى تزويد دمشق بعد حادثة طائرة "إيل-20" التي سقطت في المتوسط وأدّت إلى مقتل 15 من أفراد سلاح الجو الروسي، واتهمت إسرائيل بالوقوف وراء ما حصل وتحمّل المسؤولية بالكامل، وهذا ما أوضحه وزير الدفاع الروسي عندما خاطب بوتين بالقول: هذا النظام سيعزز أمن العسكريين الروس في سوريا.
لم تعر روسيا اهتماماً للاعتراضات الإسرائيلية، ومن خلفها الاعتراضات الأمريكية، لتظهر على وسائل الإعلام لحظة إخراج منظومات الصواريخ المضادة للطيران من طائرة "أن-124 روسلان" في سوريا والتي تضمّنت 49 قطعة من معدات منظومات "إس-300" بما فيها 4 منصات لإطلاق الصواريخ.
ويبدو أن القرار الروسي الحازم في الحفاظ على ما تحقّق من إنجازات على الأراضي السورية لم يتوقّف عند حدود منظومة الـ"اس 300"، فقد تحدّثت أنباء عن اختبارات بدأها الجيش الروسي في سوريا تتمثل في سلاح كهرطيسي يمكنه تشتيت وكبح إشارات GPS وWi-Fi. فبعد تأكيد موسكو على أن أخطر أسلحتها التي تعتدّ فيها أمام العالم ستنقلها قريباً إلى سوريا في مسعى منها لمحاربة التجاوزات الداخلية والخارجية على هذا البلد، قال فلاديمير ميخييف مستشار النائب الأول لمدير عام شركة "راديو إلكترونيكس تكنولوجي" الروسية، إنه سيتم اختبار سلاح كهرطيسي روسي على الظروف الميدانية في سوريا وذلك بعد أن خضع هذا النظام للتطوير مؤخراً.
وبين كفتي الـ"اس 300" والسلاح الكهرطيس وما بينها من أسلحة قد تصل إلى دمشق، يتضمن ذلك الإصرار في الحفاظ على ما حقّقته روسيا بالتعاون مع إيران، في دعم الدولة السوريّة أمام القوى الأخرى، ويحمل جملة من الرسائل، منها ما يتعلّق بالميدان ومنها ما هو أبعد من ذلك، يمكن الإشارة إليها في جملة من النقاط:
أولاً: لا يعتري الإجراء الروسي أي شائبة قانونية كون الجهة التي تسلّمت هذه المنظومة الدفاعية هي حكومة قانونيّة لها خلافات مع الغرب، ومن خلال عملية التسليم أثبتت روسيا للجميع، لاسيّما النظام الدولي الحاكم، أنها اللاعب الأبرز على الأراضي السوريّة، وبالتالي لا حلّ سياسي أو عسكري للأزمة دون أن يستوفي الشروط الروسيّة.
ثانيٌ: لا تشكّل عملية التسليم دعماً مباشراً للرئيس الأسد فحسب، بل لجميع القوى التي حضرت إلى سوريا بناءً على طلبه، لاسيّما القوى المدعومة من الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة.
هناك رسالة طمأنة من الجانب الروسي إلى الحليف الإيراني أنه من خلال هذه الخطوة يمكن حماية كل القوات الرديفة للجيش السوري من الاعتداءات الخارجيّة أكثر من أي وقت مضى، بعبارة أخرى، لم تعد المفاوضات التي كانت تسعى "إسرائيل" لإجرائها مع الجانب الروسي حول الحضور الإيراني في سوريا مجدية. اليوم، باتت الشروط تفرض عبر الميدان، وقدّ حدّت هذه الخطة من التفوّق الإسرائيلي في السماء.
ثالثاً: هناك رسالة واضحة من موسكو إلى تل أبيب أن سماء سوريا لم تعدّ مشرّعة أمام طائراتها، هنا تعمل الدول السورية على معالجة التحرّكات الإسرائيلية داخل أراضيها، بتوجيه روسي، دون أن يتسبّب هذا الأمر بأي تبعات لروسيا، روسيا كانت مجبرة في السابق على إدارة هذا الملف، اليوم ستبقى هي من يديره ولكن بطريقة مختلفة تماماً، لا تكلّف وزير الخارجيّة الروسي أو وزير الدفاع عناء أي رحلة إلى تل أبيب للاستماع إلى طلباتها.
رابعاً: وفي خطوة تتجاوز الوضع الميداني، تشكّل هذه المنظومة ورقة قوّة بيد الطرف الروسي في المفاوضات المقرّر عقدها بين روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، بعبارة أدقّ، تمتلك روسيا أوراق القوّة والضغط السياسية والميدانيّة التي تسمح لها بفرض شروطها سواء في الأزمة السورية، أم ما هو أبعد من الأزمة.
باختصار شكّلت الخطوة الروسيّة "ضربة معلّم" لها ولحلفائها في سوريا على حدّ سواء أمام التحرّكات الإسرائيلية، ومن خلفها التحرّكات الأمريكية، فهل سيقف الكيان الإسرائيلي مكتوف الأيدي أمام ترسيخ المعادلة الجديدة؟.