لم تكن السعودية تتعاطى بحزم مع البيئة الحاضنة للجماعات التكفيرية مع بدء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، بل شكّلت الجمعيات "الخيرية" لإمداد التكفيريين في سوريا والعراق بالمال والسلاح، ضاربةً عرض الحائط أي إرتداد داخلي لهذه الأفعال، ومتناسيةً النتائج التي ترتبت سابقاً على دعمها لتنظيم القاعدة.
باتت السعودية اليوم في قلب المعركة حيث تظهر أفعال التنظيم الإرهابي نيته إستهداف الشيعة في هذا البلد لإشعال فتنة أهليه، ربما تكون بداية النهاية لحكم آل سعود. إلا أن التطور الأخير في اليومين الماضيين، سواءً بانفجار سيارة ملغومة عند نقطة تفتيش قرب سجن شديد الحراسة، أو إعلان الرياض القبض على أكبر خلايا تنظيم داعش الإرهابي، والمكونة من 431 شخصا، تفتح باب التساؤل حول الخطوات المرتقبة من النظام السعودي حيال داعش الإرهابي، فهل ستؤجج السعودية حرب التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق لصرف نظره مرحلياً عن بلاد الحجاز؟ أم أنها ستتصرف بمسؤولية وحزم عبر التعاون مع الدول المجاورة لاسيّما العراق لضرب معاقل التنظيم الإرهابي؟
تشير التقارير الصادرة عن وزارة الداخلية السعودية حجم التهديد الذي يعصف بالبلاد عموماً، والمناطق الشرقية ذات الأغلبية الشيعية على وجه الخصوص، حيث ضمّت هذه الخلايا إضافةً إلى السعوديين، جنسيات أخرى موزعين ما بين يمنيين ومصريين وأردنيين وجزائريين، ونيجيريين وتشاديين، إضافة إلى آخرين لم تحدد هويتهم . الجنسيات المختلفة، وعدد المعتقلين يعيد إلى الأذهان بداية ظهور هذه الجماعات التكفيرية في سوريا، فهل سيتكرّر المشهد السوري سعودياً؟
لا يخفي تنظيم داعش الإرهابي نيته إستهداف السعودية، وقد دعا أنصاره إلى تنفيذ هجمات في هذا البلد، مستفيداً من فشل استراتيجية الحرب على التنظيم في كل من سوريا والعراق، سواءً بسبب التخاذل الأمريكي أو غياب قوات برية فاعلة تتصدى له على الأرض، لكن السعودية من حيث تدري أو لا تدري أمسكت بخيوط اللعبة عندما قالت "إن المشتبه بهم الذين اعتقلوا في المملكة كانوا ينفذون مخططا يدار من المناطق المضطربة في الخارج ويهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى".
لا يختلف اثنان على أن القصد السعودي من المناطق المضطربة هي سوريا والعراق، واذا ما أرادت الرياض حماية بنيتها الداخلية من براثن التنظيم الإرهابي، فلا بد من ضرب العقل المدبر للتنظيم سواءً عبر دعم الجماعات التي تحارب داعش الإرهابي( وإن كان أمراً مستبعداً) أو عبر الحد من الدعم المالي والسياسي. قطع الإمداد المالي والسياسي يكون بالضغط على تركيا وقطر تارةً، والتوجّه أكثر للوضع الداخلي عبر الحد من الأصوات المذهبية البغيظة التي تتقاطع أفعالها مع الأهداف الداعشية.
ربّما يتوجّب على سلطات الرياض حالياً، وبالتعاون مع الدول الإقليمية بدءاً من مصر مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا، وضع استراتيجية جماعية لمواجهة تهديدات التنظيم الإرهابي، خاصة في ظل وجود شكوك كبيرة حول وجود إرادة حقيقية من الإدارة الأمريكية للقضاء على هذا التنظيم، وهذا ما يمكن إستشفافه من توقّع الجنرال راي أوديرنو رئيس هيئة الأركان في الجيش الأمريكي، أمس السبت، أن "هزيمة تنظيم داعش تستغرق ما يتراوح بين 10 و20 عاما"، وبطبيعة الحال لن تستطيع الرياض الصمود طوال هذه المدّة، لا لأمن شعبها فحسب، بل للحفاظ على الدولة السعودية الثالثة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحرب على تنظيم داعش الإرهابي لا يجب فقط أن تقتصر على المقاربة الأمنية بل لابد أن تشمل النواحي الدينية والتربوية والتعليمية والاجتماعية، خاصةً في السعودية التي تعتبر أرضاً خصبة للجماعات التكفيرية، وبالتالي نبذ الأصوات الطائفية، وتعزيز الأصوات الوطنية كما حصل في الكويت. وقد تكون المواجهة الشاملة من أنجع السبل لمواجهة الجماعات التكفيرية، التي وإن بدأت بالشيعة، لن تستغرق طويلاً حتى تستكمل بالسنة، تماماً كما فعلت في سوريا والعراق.
قد يكون كشف هذه الخلايا العنقودية بمثابة العربة التي تجبر آل سعود على العودة إلى جادة الصواب في تعاطيها مع الإرهابيين، لذلك يخطئ كل من يعتقد أن الشيعة في السعودية هم الهدف الوحيد لتنظيم داعش الإرهابي كونهم ينضوون تحت مشروع الإبادة الجماعية، وعدوهم الأبدي قبل الأمريكيين والغربيين، باعتبار أنهم قاموا بتحريف الإسلام بحسب اعتقادهم، فلن يلبث كثيراً حتى يسقط النظام السعودي لأنه وبالنسبة له نظام مرتد عميل.