الوقت- نشر وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، كتابه الجديد الذي حمل عنوان " Every Day is Extra" (كل يوم هو إضافي) يحكي من خلال مذكراته، منذ أن كان ابن دبلوماسي أمريكي حتى نهاية حياته المهنية كوزير للخارجية الأمريكي في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وفي مقالنا سوف نتناول قضية لقائه الأول مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك ثم تفعيل المفاوضات عبر الوساطة العمانية.
في القسم الأول من المذكّرات كشف كيري أن شخصاً عمانياً يدعى بـ " سالم الإسماعيلي" اقترح عليه، بعد نجاح وساطته من أجل إطلاق سراح المتسلقين الأمريكيين في إيران، التعاون في قضايا أخرى، وبالفعل قام كيري الذي كان في ذلك الوقت رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بنقل الرسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما داعياً إياه إلى تفعيل الحوار مع إيران عبر الوساطة العمانية.
في الجزء الثاني، سرد جون كيري أول زيارة له للسلطان قابوس، ملك عمان، ومناقشته حول بدء المفاوضات مع إيران، في هذا القسم نقل كيري عن ملك عمان قوله إن الإيرانيين لن يدخلوا في مفاوضات مع أمريكا تحت الضغط والذل.
مغادرة مسقط بعد الزيارة الأولى إلى السلطان قابوس
لقد شجعتني المحادثة التي قمت بها في مسقط، وحين عدت إلى واشنطن قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، أطلعت بسرعة البيت الأبيض ووزارة الخارجية على الأمر، وتبين أن اوباما كان مقتنعاً أنه هناك على ما يبدو أسساً لإجراء محادثات حقيقية مع الإيرانيين، كما كان مقتنعاً أن التعامل مع إيران من خلال وساطة مسقط لن يقودنا إلى أي شيء، ما دفعنا إلى التحدث مع الإيرانيين وجهاً لوجه.
حضرت برنامجي وعدت إلى مسقط في 23 كانون الثّاني / يناير 2012، وناقشت حول كيفية أن يساعد العماني في بدء مثل هذه المحادثات، ومن ثم غادرت في عطلة أعياد الميلاد إلى مدينة "كشام" في ولاية ايداهو، لكنني كنت أتابع تفاصيل العملية مع "إسماعيلي"، وهناك تعرّضت لحادث أدّى إلى كسر في رأسي ويدي وكان من المقرر أن أعود الأسبوع المقبل إلى منطقة الشرق الأوسط وكان الورم لا يزال ظاهراً على وجهي لكنني كنت مضطر إلى ذلك فوضعت نضارة على عيناي وانطلقت في مهمتي.
قلق أوباما وسفر قابوس إلى طهران
في عمان دخلنا إلى صلب الموضوع سريعاً، كان لدى أوباما بعض المخاوف وقمت بنقلها إلى السلطان، ومن المخاوف التي كانت تشغل بال أوباما: ما مدى جدية الإيرانيين؟ هل سيكون الشخص الذي سيرسلونه للمفاوضات واقعياً وسيتحاور معنا أم إنه سيستغل الموضوع ويقلب الأمر علينا فيما بعد؟ هل سيمكننا الاعتماد عليهم؟ وطلبت من السلطان السفر للاستفسار عن هذه المخاوف، وبالفعل سافر قابوس إلى طهران والتقى آية الله علي الخامنئي.
الحوار حول حق إيران في التخصيب
طرح السلطان قابوس موضوع حق إيران في التخصيب، هذا الموضوع الذي كان أصل المحادثات السابقة، تقول إيران منذ فترة طويلة بأن لديها الحق الكامل في تخصيب اليورانيوم كطرف في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ولقد قلنا بصراحة إن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، تعطي الحق للدول في امتلاك الطاقة النووية، كما أن المعاهدة لم تمنح الأطراف "الحق" في تخصيب اليورانيوم لأنفسهم، كان هذا هو الموضوع الذي أكدت عليه منذ اليوم الأول من مشاوراتي مع العمانيين، وبالتالي مع الإيرانيين، وعلى الرغم من ذلك، فإن 13 دولة، الموقّعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومن ضمنها أمريكا يحقّ لها التخصيب في إطار القيود المنصوص عليها في المعاهدة، وكان الإيرانيون يقولون إنه حتى يتم الالتزام التام بالمعاهدة، يجب السماح لهم بفعل ما تفعله الدول الأخرى بشكل قانوني، كان لديهم الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وأصرّوا على أنهم لا يريدون الاعتماد على روسيا أو أي بلد آخر في وقود مفاعلاتهم النووية.
أراد الإيرانيون حقاً مماثلاً بباقي الدول
بصرف النظر عن موضوع أن إيران لديها "الحق" في تخصيب اليورانيوم أم لا، في أعماق داخلي، كنت أدرك أنه ليس لدينا وسيلة للحصول على الشفافية الكاملة وضبط النفس اللازمة لضمان عدم تحرك إيران نحو برنامج للأسلحة، كما أنني لم أكن أدرك أننا يمكننا جذب إيران إلى طاولة الحوار، حتى أن الأشخاص المعتدلين في إيران يرون أنه ليس من العدل أن تقبل إيران بالقيام بشي لا تقوم به باقي الدول، ويعتبر الإيرانيون هذا بمثابة استسلام كامل للأمريكيين الذين كانوا خلال فترة الشاه يتدخلون بشكل كبير في شؤونهم السيادية، وإن توقّع قبول مثل هذا الشيء، حتى من حكومة أكثر اعتدالاً في إيران، هو طلب كبير.
قبول إدارة بوش بتخصيب اليورانيوم وابتعاد مجموعة 5 + 1 عن تخصيب الصفر
لفترة طويلة، كان الموقف الأمريكي هو أن أي نوع من التخصيب، هو مخلّ بالاتفاق، لكن شركاءنا في المفاوضات في مجموعة 5 + 1 كانوا بعيدين عن هذا الموقف، وأجمعوا أنه يجب إعطاء إيران الحق بما تفعله باقي الدول من أجل أخذهم للمفاوضات بجدية، كما أنه سمعت في المحافل الخاصة أن إدارة جورج دبليو بوش قد توصلت إلى هذا المفهوم من قبل بالاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.
معارضة هيلاري كلينتون للمفاوضات مع إيران
وافق معظم أعضاء مجلس الأمن القومي على بحث الوساطة العمانية، وكان لدى هيلاري كلينتون شكوك حول العمانيين، لم تكن مقتنعة بعد أن العمانيين يمكن أن يفوا بوعدهم أو أن على أمريكا الذهاب وراء الاتجاه الذي يقترحونه، لقد اعترف الجميع بالتاريخ الصعب للتعامل مع إيران، لكنهم كانوا يعرفون أيضاً أن الفرص السابقة للدبلوماسية ذهبت سداً.
تشكيل قناة سرية للتفاوض
في أوائل الربيع من نفس العام، اتصل أوباما بالسلطان قابوس لمناقشة تفاصيل الحوار، لكن لا أعلم ما الذي دار بينهما، ما أدّى إلى قلق السلطان قابوس الذي اتصل بي فيما بعد لكني أكدت له أن أمريكا جدية في الحوار مع إيران، وكان هناك قلق كبير في أمريكا حول موضوع الوفد الذي سيحضر الاجتماع وحول إمكانية مشاركتي معه، حتى أن أوباما أخبرني قبل حملته الانتخابية عام 2012 أنه مرشح للعب دور في الحكومة المقبلة ودور مهم في الحوار مع الإيرانيين، في غضون ذلك، كنت قلقاً جداً من تأخير الاجتماع خاصة أن إيران واصلت التقدّم نحو القنبلة، وكان من الضروري بالنسبة لنا إرسال فريق- أي فريق- قبل ضياع الفرصة لتحديد ما إذا كان الحوار معها ممكناً أم لا.
أعضاء فريق أوباما السري للتفاوض مع إيران
في تحرّك ذكي من الرئيس أوباما قام بتعيين كل من جاك سوليفان، نائب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وبانيت تالافار، عضو مجلس الأمن القومي الذي أصبح فيما بعد مساعدي السياسي، بالإضافة إلى خبير في تكنولوجيا المعلومات ومترجم فوري في وفد المفاوضات، كان لدى جاك وبانيت، اللذان كانا شخصان ذكيان، أدوار رئيسية في فريق الأمن القومي، لكنهما كانا لا يزالان غير معروفين في ذلك الوقت، وكانا ممتازين في هذه المهمة، لقد بذلوا جهوداً استثنائية للحفاظ على سرية رحلاتهم.
بدأ الاجتماع دون أي عوائق، ولم يعتقد أي من الطرفين أن الاجتماع سيكون بنّاءً، وقد أُمر جاك وبانيت بعدم إظهار أي تهاون في موضوع التخصيب، وهذا ما أغضب الإيرانيين الذين لم يكونوا يميلون لقبول أي قرار يمنعهم من تخصيب اليورانيوم.
مع مرور الصيف، أصبح الوضع أكثر هشاشة، خاصة بعد تهديدات "إسرائيل" بأن إيران تخطّت الخطوط الحمر وأن الجيش الإسرائيلي مستعد لتوجيه ضربة عسكرية لها، وانتظر قادة الأمن القومي حدوث ذلك لكن "إسرائيل" تراجعت فيما بعد، في ذلك الوقت توقفت قناة أوباما السرية عن التفاوض إلا أنها عاودت ذلك بعد أشهر من التوقف.