الوقت- مجموعة الدول السبع "المصغّرة" سلّمت المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا "إعلان المبادئ" الذي يتحدث عن رؤية هذه الدول لسوريا المستقبلية وفرضت هذه الدول شروطاً خاصة للمشاركة في إعادة الإعمار، وعندما نعلم أن أمريكا هي من تترأس هذه المجموعة التي تضم "بريطانيا وفرنسا وألمانيا وثَلاث دُوَلٍ عربيّةٍ هي السعوديّة ومِصر والأُردن"، لا نستغرب "المبادئ" التي خرجت بها علينا، إن كان من ناحية قطع العلاقة مع إيران أو تحويل سلطة رئيس الجمهورية إلى سلطة صورية تكون فيها الكلمة العليا لرئيس الوزراء الذي لا يستطيع الرئيس اختياره بحسب "إعلان المبادئ".
الشروط التي فرضتها الدول السبع تظهر لنا مدى الهشاشة والضعف في القرار السياسي لدى هذه الدول، وكأنهم يعيشون في ثلوج الاسكا، واليوم حتى فطنوا لما يجري في سوريا، بالمختصر الشروط التي جاءت بها هذه الدول لا تعدو كونها ضرباً من الخيال، لا تمت للواقع بأي صلة وتظهر مدى النظرة الفوقية والسطحية لهذه الدول التي تعلم جيداً بأن سوريا لن تتخلى عن إيران التي لم تتخلَ عنها عندما ساهمت بعض الدول العربية في تخريبها ودعم الإرهاب فيها، وقد عرض على دمشق مراراً وتكراراً من قبل واشنطن وباريس والرياض أن تقطع علاقتها مع طهران ومع ذلك رفضت في الوقت الذي كانت أغلبية أراضي البلاد خارج سيطرتها، فكيف هو الحال اليوم وهي تسيطر على أغلبية مساحة البلاد، ولم يبقَ أمامها سوى "إدلب" التي ستستعيدها لا محالة، مهما حاولت واشنطن وغيرها وضع عراقيل في هذا الاتجاه، فالقرار محسوم، وحتى اللحظة لم تتخذ الدولة السورية قراراً في تحرير منطقة ما إلا وفعلت.
إعلان المبادئ
تضمن هذا الإعلان مجموعة من البنود التي من دون أدنى شك تحتوي على بعض الأمور المنطقية من ناحية عودة اللاجئين إلى بلادهم، والإصلاحات الدستورية والقضاء المستقل والانتخابات النزيهة وغيرها، لكنه تضمنت أيضاً مجموعة من النقاط المستغربة، والمستغرب أكثر أن تخرج من دول مثل الأردن ومصر والسعودية.
حمل "إعلان المبادئ" مجموعة عناوين "رنانة" مثل "مبادئ لحل النزاع السوري" "الإصلاح الدستوري" "الانتخابات بإشراف أممي".
وجاء فيها مجموعة فقرات مثل:
1- أن تكون سوريا خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتنهي على نحو موثوق برامجها لأسلحة الدمار الشامل.
2- أن تقطع الحكومة السورية علاقاتها مع النظام الإيراني ووكلائه العسكريين.
3- لن تكون هناك مساعدة في إعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية في غياب عملية سياسية ذات مصداقية تقود إلى التغيير، وإلى الإصلاح الدستوري والانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وفقاً لتطلعات الدول المانحة المحتملة.
4- ينبغي تعديل صلاحيات الرئيس لتحقيق توازن أكبر بين السلطات من جهة، وضمانات استقلال مؤسسات الحكومة المركزية والإقليمية من جهة أخرى.
هذه الشروط ليست بالجديدة وتم طرحها في السابق وأجابت الحكومة السورية عليها وعندما كانت تتداعى هذه الحكومة لم تقبل بها فكيف بها اليوم وهي في طور إعادة السيطرة على كامل البلاد.
هذه الشروط تظهر بشكل واضح الضعف الذي تعاني منه هذه الدول أمام القدرة التي وصل إليها الجيش السوري الذي لم ينهر كما كان متوقعاً من الأيام الأولى على عكس جيوش المنطقة، كما أظهرت الشروط هول الصدمة بأن الجماعات المسلحة في طريقها للزوال ولا حل لإنقاذها، فجميع المحاولات لانعاش هذه الجماعات باءت بالفشل وأصبح هذا الأمر حقيقة واقعة، لذلك لم يكن مستغرباً أن يرسل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفداً إلى دمشق لتقديم عروض لدمشق من أموال وإعادة إعمار وبقاء الاسد في السلطة مدى الحياة مقابل التخلي عن "حزب الله".
هذه الأمور أصبحت خارج حدود المنطق، ومن يريد التعاطي مع الحكومة السورية بجدية ويفتح حواراً معها عليه أن يدرك أن الحكومة السورية لم تعد كما كانت عليه قبل أربعة أعوام، اليوم تتحدث هذه الحكومة من موقع قوة، وهي تدرك جيداً أن الأمور تصبّ في مصلحتها والمستقبل لها، لذلك يجب على هذه الدول أن تبحث عن حلول منطقية للتعاطي مع الحكومة السورية، التي أصبحت قوتها وثباتها اليوم حقيقة واقعة لا يمكن تجاوزها.
الدول العربية
شاركت ثلاث دول عربية في "إعلان المبادئ" هذا في الوقت الذي تفتقر فيه هذه الدول الثلاثة لأي شكل من أشكال الديمقراطية لاسيما السعودية والأردن، فعن أي انتخابات تتحدث هاتين الدولتين، أصلاً هل هناك انتخابات في هذه الدول وهل تسمح هذه الدول بأن تشرف الأمم المتحدة على ما يجري داخل أسوارها، كيف تريد أن تصدّر هذه الأمور إلى دول وهي لا تملكها أساساً.
الأردن أخطأت وبدأت اليوم بتصحيح مسارها شيئاً فشيئاً، حيث نراها تبحث عن حل اقتصادي عبر معبر نصيب وتحاول التقرّب من الحكومة السورية، وما اشتراكها في "إعلان المبادئ" سوى إكراه أُجبرت عليه من قبل السعودية وأمريكا.
السعودية أحوج اليوم للتوجه لأزماتها الداخلية السياسية منها والاقتصاديّة والاجتماعية... فأيام الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان معدودة وفق صحيفة التايمز البريطانية في عددها الذي صدر بالأمس، والنظام السعودي في ظل ولي العهد محمد بن سلمان يعاني من مخاطر الانهيار البطيء، وفق العدد الأخير لمجلة نيوزويك الأمريكية.
مصر تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة ولا يمكنها الانفكاك عن السعودية وأمريكا في الوقت الراهن، وهي نفسها لديها قنوات تواصل مع الحكومة السورية لاسيما الأجهزة الأمنية هناك.
الخلاصة: إن أغلب هذه الشروط لا تتوافق مع خيارات الشعب السوري، ولا تحاكي شروط ووقائع الميدان... ويبدو واضحاً أن نصّ هذه الشروط قد خطّ بأيدٍ إسرائيلية، ربّما تسلّمها كوشنير، وسلّماها لإدارة ترامب، والأخير أقرها.