الوقت-كان لحادثة 11 سبتمبر تأثير كبير على السياسة الداخلية والخارجية لأمريكا، وأدّى الخوف من تكرار هذه الهجمات الإرهابية إلى اتخاذ تدابير أمنية مشددة كمنع المهاجرين من دخول أمريكا إضافة إلى زيادة الميزانية العسكرية في سبيل تحقيق الأمن والأمان الداخلي، والتاريخ يقول إنه منذ زمن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأب كانت مشكلة ضبط الحدود الأمريكية من أبرز المشكلات التي حاول الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون حلّها.
ويقول محللون أمريكيون إن سياسة الهجرة عند الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لديها أوجه تشابه وتفاوت مع سياسة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، حيث كانت أولويّة الطرفان "ضبط الحدود" وفي سبيل تحقيق ذلك طبّق الاثنان إجراءات وتدابير أمنية مشددة، إلا أنهما واجها صعوبات في تنفيذها، ويمكن القول إن الفرق الأساسي بين استراتيجية أوباما وترامب للهجرة هي أن أوباما سعى إلى دمج المهاجرين في المجتمع الأمريكي وجعلهم يعتبرون أمريكا ملاذاً آمناً لهم، أما ترامب فقد اعتبر مجرد دخولهم إلى أمريكا تهديداً كبيراً للأمن القومي الأمريكي.
سياسة باراك أوباما للهجرة
على عكس التصورات الشعبية، كانت الفترة الأولى من ولاية الرئيس أوباما أصعب وأقسى بحق المهاجرين من عهد سلفه بوش، حيث كان يعتقد أن نظام الهجرة في أمريكا يشوبه عيوب أساسية ويحتاج إلى إصلاح كامل حتى لا يتمكن المهاجرون غير الشرعيين من الحصول على الإقامة والجنسية، فقام بطرد ما يقارب عن 12 مليون مهاجر غير شرعي كانوا يعملون في كثير من الأحيان في وظائف منخفضة الدخل ولا يمتلكون خبرة معتبراً إياهم عائقاً يجب إزالته.
وتتألف سياسة أوباما للهجرة من ثلاثة عناصر:
1- أمن الحدود: والتي كانت تعتبر من أبرز أولويات الرئيس الأمريكي، حيث يرى أن عبور المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين هذه الحدود إلى أمريكا بهدف العيش أو التجارة الشرعية أو غير الشرعية مصحوباً بخطر أمني، ومن أجل الحدّ من هذه الأخطار قام أوباما بتحسين مستوى تقنيات المراقبة إضافة إلى تفعيله الدوريات الحدودية وبنائه مركزاً كبيراً لحرس الحدود ذا إمكانات عالية جداً.
2- مسؤولية والتزام أصحاب العمل: وقام أوباما بوضع قوانين تفرض على أرباب العمل عدم استخدام العمال غير الشرعيين، وفي حال حدوث ذلك يفرض على صاحب العمل جملة من العقوبات، ويرى أوباما أن مسؤولية أرباب العمل في استخدام عمال غير شرعيين لا تقل أهمية عن أمن الحدود، ومن هذا المنطلق فرضت عقوبات شديدة جداً لمنع المهاجرين غير الشرعيين من العمل داخل أمريكا ما يصعّب عليهم الاندماج في المجتمع الأمريكي.
3- كسب الجنسية والإقامة: استراتيجية أوباما كانت في الأساس حول كيفية كسب المهاجرين غير الشرعيين للإقامة في أمريكا، فقد أعطى أوباما الفرصة للمهاجرين غير الشرعيين لكسب الإقامة ولكن بشروط، كالقبول في العمل بأعمال شاقة، تعلم اللغة الإنجليزية، التحقق من السجلات ودفع الغرامات في حالة انتهاك قواعد الهجرة، ومع ذلك فإن عملية تخفيف المهاجرين غير الشرعيين كان لها تأثيرات سلبية مثل ارتفاع متوسط دخل المهاجرين الوافدين بشكل غير قانوني والذين حصلوا على الإقامة فيما بعد، وهو أمر لم يكن جيداً بالنسبةً للمواطنين الأمريكيين الأصليين أو الذين حصلوا على الإقامة بطريقة شرعية حيث كانت هناك انتقادات حادة من قبلهم على هذه السياسة.
في ولاية أوباما الثانية فشل في الحصول على موافقة الكونغريس الأمريكي من أجل تعديل قانون الهجرة مرة ثانية، وفي نوفمبر من عام 2014 استخدم أوباما صلاحياته الرئاسية معلناً بدء العمل بقانون الهجرة الجديد، وهو كان يهدف إلى منع إخراج ما يقارب 4 ملايين مهاجر غير شرعي من أمريكا، وضُمّ قرار أوباما مع قرار المحكمة العليا في أمريكا، حيث رفض أربعة قضاة أمريكيين قراره بتعديل قانون الهجرة، فيما وافق عليه أربعة أخرون، وبالتالي يمكن القول إن استراتيجية أوباما للهجرة فشلت وواجهت مطبّات عديدة.
سياسة دونالد ترامب للهجرة
في الانتخابات الرئاسية الماضية نجح دونالد ترامب في استغلال كراهية الأمريكيين للمهاجرين، فوعد الشعب الأمريكي بإجراءات صعبة للغاية تمنع دخول هؤلاء بطرق شرعية وغير شرعية إلى أمريكا، وفي الأيام الأولى من دخوله إلى البيت الأبيض أصدر قراراً يقتضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى أمريكا وإخراج مواطنيهم من الأراضي الأمريكية باستثناء أصحاب التأشيرات الدبلوماسية، هذه الدول هي: إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن، ويرى ترامب أنه من خلال هذه الطريقة سيمنع حدوث هجمات إرهابية داخل الأراضي الأمريكية، ويشابه ترامب بخطواته نظام الهجرة الكندي حيث إن مشروع تعديل قانون الهجرة الأمريكي الجديد الذي اقترحه ترامب من أجل اقتصاد قوي يسمى "RAISE" يقلل من هجرة الأسرة بنسبة تصل إلى 50٪، ويخفّض عدد تراخيص الإقامة الممنوحة سنوياً من مليون إلى 500 ألف، على مدى السنوات العشرة المقبلة، ويقول محللون في الشأن الاجتماعي إن ترامب يهدف من هذه الخطوة إلى أمرين، الأول تقليل الهجرة العائلية إلى أمريكا، والثاني تغيير أفكار المهاجرين الداخلين إلى أمريكا.
وفي سياق تحقيق الوعود الانتخابية التي أطلقها ترامب، أعلن عن اتخاذه 3 خطوات بحق المهاجرين وهي كالتالي:
الأولى-حملت اسم "أمن الحدود وتنفيذ إصلاحات الهجرة" وذلك عبر بناء جدار بطول 2000 كلم مع المكسيك والذي تبلغ تكلفته 21 مليار دولار، واعداً بإجبار المكسيك على دفع 20% من تكلفته.
الثانية-حملت عنوان " "زيادة السلامة العامة داخل أمريكا" عبر إخراج المهاجرين وعائلاتهم من أمريكا.
الثالثة-والأخيرة حملت عنوان "حماية البلاد من الإرهابيين الأجانب" عبر منع مواطني بعض الدول من دخول أمريكا بالإضافة إلى إخراج مواطنيها المقيمين هناك، هذه الإجراءات الثلاثة التي اتخذها ترامب أشعلت شرارة الغضب بين الأمريكيين الذين يؤيدون دمج المهاجرين داخل المجتمع الأمريكي وخرجوا في مظاهرات كبيرة رفضاً للسياسة العنصرية التي ينتهجها ترامب ضد المهاجرين.
ختاماً بمقارنة سياسات الهجرة التي انتهجها كلٌّ من باراك أوباما ودونالد ترامب من خلال الخطوات الثلاثة لكل منهما نرى أن سياسة الهجرة التي عمل بها الرئيس الأمريكي السابق كانت أكثر عقلانية، وعلى الرغم من أن كلا الرئيسين هدفهما واحد وهو جعل الحدود أكثر أمناً، إلا أن الاستراتيجية المستخدمة لحماية الحدود في عهد أوباما تبدو أكثر كفاءة، كما أن استخدام التكنولوجيا الحديثة وزيادة الدوريات الحدودية يعدّ أكثر سهولة من تهديد المكسيك بدفع 20٪ من تكلفة الجدار الذي يريد ترامب بناؤه بين البلدين. أما الإجراء الثاني الذي اعتمده أوباما بمنع أصحاب العمل من استخدام المهاجرين غير الشرعيين ساهم بضبط عمليات الاتجار بأعضاء هؤلاء وزيادة الأمن والاستقرار، أما إجراء ترامب الثاني فليس هناك تقرير حتى اليوم يفيد بزيادة أو نقصان معدل الجريمة في أمريكا، كما أن الإجراء الثالث الذي أقرّه أوباما بدمج المهاجرين غير الشرعيين في المجتمع الأمريكي وإخراج الإرهابيين من بينهم، أيضاً كان له تأثيرات إيجابية على المجتمع الأمريكي، أما إجراء ترامب فكان له تأثيرات سلبية كبيرة على المجتمع الأمريكي بحيث يمنع هذا القرار أصحاب رؤوس الأموال الذين ينتمون إلى الدول التي منع مواطنوها دخول أمريكا من المساهمة في استثمار أموالهم في السوق الأمريكية، وبالتالي إن إجراءات ترامب واستراتيجيته الجديدة للهجرة لا يمكن أن تسهم في زيادة الاستقرار الأمني والاقتصادي لأمريكا، بل على العكس قد تسبب مشكلات أمنية لم تشهدها أمريكا من قبل.