الوقت- يبدو أن الجزائر دخلت واجهة الإعلام من جديد، من خلال الحديث عن التوترات التي تشهدها منذ أيام. ولعل الأسباب الأساسية لهذه الأحداث تعود بأسرها الى المشاكل العرقية، المتجذرة منذ سنوات، والتي ترتبط مباشرةً بالإستعمار الفرنسي ومخلفاته، التي دمرت الجزائر وأدخلتها في مشاكل بنيوية. فماذا في آخر الأحداث المتعلقة بالإضطرابات؟ وما هي خلفياتها؟
أولاً: تقرير حول آخر الأحداث:
إرتفعت حصيلة ضحايا أعمال العنف العرقية التي شهدتها ولاية غرداية في جنوب الجزائر إلى 22 شخصاً بعد وفاة 4 أشخاص متأثرين بجراحهم الأربعاء في 8 تموز. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن مدينة القرارة سجلت سقوط 20 قتيلاً، فيما سجلت مدينة بريان سقوط قتيلين. كما أصيب عشرات الأشخاص خلال هذه الاشتباكات. وأشارت الوكالة إلى أن الإشتباكات اندلعت بين مجموعات من الشباب الثلاثاء لتمتد إلى عدة أحياء بمناطق سهل وادي ميزاب وبريان والقرارة حيث ارتكبت أعمال تخريب وحرق للمساكن والمحلات التجارية وواحات نخيل وتجهيزات ومرافق عمومية ومركبات من قبل مجموعات من الشباب الملثمين.
ونشرت السلطات تعزيزات أمنية من أجل وضع حد لهذه الإشتباكات، فيما استخدمت قوات حفظ الأمن، الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعات المتنازعة. وعقد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الأربعاء إجتماعاً طارئاً خصص لدراسة الأوضاع في ولاية غرداية حسبما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية من مصدر مقرب من رئاسة الجمهورية. وحضر الاجتماع الذي ترأسه بوتفليقة الوزير الأول عبد المالك سلال ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح لدراسة الأوضاع في غرداية.
هذا وعقد قائد الناحية العسكرية الرابعة، اللواء الشريف عبد الرزاق بولاية غرداية، إجتماعاً طارئاً الثلاثاء، لضبط الخطة الأمنية وتنسيق الجهود لتفادي تكرار أي تجاوز خطير وفرض الأمن والإستقرار في المنطقة، بعد أعمال العنف التي شهدتها منطقة القرارة. وأفادت وسائل إعلام محلية جزائرية، بأن وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي وصل إلى مدينة غرداية، للقاء القائد العسكري بالمنطقة، مشيرة إلى فرض حصار أمني مشدد على المدينة، فيما تشير مصادر أخرى إلى وصول تعزيزات أمنية عسكرية لمختلف ثكنات غرداية تحسبا لدخول الجيش ساحة العمليات.
إلى ذلك، نقلت صحيفة الشروق الجزائرية عن شهود عيان أن ما يقارب 40 عائلة نزحت ومنها أسر فرت من مواقع الأحداث في القرارة وبريان، بسبب حدة العنف والمواجهات التي تحولت إلى عمليات كر وفر في المنطقة. وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، دعا مجلس أعيان مدينة القرارة، الحكومة الجزائرية إلى التدخل العاجل لوقف هذه المواجهات المتكررة التي تسود المنطقة منذ سنوات. وأوضحت مصادر أن الاشتباكات جاءت على خلفية عرقية بين العرب والأمازيغ في جنوب الجزائر عند تخوم الصحراء، والتي تسببت بأعلى حصيلة منذ عامين في مثل هذا النوع من المواجهات. وكانت الجولة الأخيرة من المواجهات وقعت الأسبوع الماضي ما أسفر عن نشر قوات مكافحة الشغب التي اطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
ومنذ كانون الأول 2013، تشهد محافظة غرداية أعمال عنف طائفية متقطعة بين العرب المالكيين والأمازيغ الإباضيين، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتخريب واسع للممتلكات الخاصة. وتتكرر هذه المواجهات في كل مرة على شكل مناوشات بين شباب من الطائفتين قبل أن تتوسع إلى أعمال عنف على نطاق واسع. وفشلت السلطات في وقف المواجهات الطائفية رغم تواجد أكثر من 8 آلاف شرطي في المحافظة التي لا يزيد عدد سكانها عن 380 ألف نسمة إلى جانب الزيارات المتكررة للمسؤولين هناك. وطالبت عدة أحزاب من الموالاة والمعارضة الأربعاء، السلطات الحاكمة في البلاد إلى التحرك العاجل لاحتواء موجة العنف في المحافظة حسب بيانات أصدرتها.
ثانياً: قراءة موجزة في الخلفيات:
إن ثقافة الجزائر السياسية اليوم هي في الحقيقة انعكاس للفترة الإستعمارية المعروفة التي حكمت الجزائر وبالتحديد فترة الإستعمار الفرنسي. فالكفاح الشرس الذي قام به الجزائريون ضد فرنسا انتهى بتحقيق الإستقلال. لكن تبعه إقامة حكم يعتمد الوراثة، فأصبح إخوة النضال ضد المستعمر بالأمس، أعداء اليوم. ومن الواضح أن مخلفات ثورة الإستقلال ما تزال آثارها واضحة حتى الآن. فالثورات التي قامت على المستعمر، أدت لنقل السلطة الى العسكر، وهو الأمر الذي أدى لتقسيم المجتمع لطبقات. طبقة عليا بعيدة عن المجتمع الأدنى، تفعل ما تريد ولا يمكن محاسبتها، فيما المجتمع الأدنى يعيش حالة من الفقر والأمية الى جانب البطالة. وتعتبر السلطة في الجزائر إشتراكية الخلفية، وقد استفادت من النفط لتقوية نفوذها. فيما يعتبر الدين المحرك الشعبي الجماعي، وهو الأمر الذي يُعد خطيراً على المجتمع الجزائري ويساهم في تأجيج الصراعات الحاصلة اليوم.
إذاً يبدو جليا، أنه لا يمكن للجزائر أن تخرج من نفق الصراعات، إلا بالعمل على حل المشكلات الجذرية التي تتنوع بين الفقر والبطالة، وتصل الى إنعدام العدالة الإجتماعية. فأمام شعبٍ مستنفر، ينطلق كما أشرنا من مُحركٍ ديني وعرقي، لا بد من حل المشكلات الإقتصادية التي قد تصبح مبرراً للعنف. في بلدٍ من الواضح أن الأمور تتجه فيه لإنعدام الأمن والإستقرار. وما علينا إلا انتظار الأيام المقبلة لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور.