الوقت- لم تعد سلطنة عمان تحتمل مزيداً من الاستفزازات، وإن كانت تحاول خلال العقود الماضية قدر المستطاع اتباع سياسة وسطية تحافظ من خلالها على مسافة واحدة مع جميع الأفرقاء، إلا أن الإمارات وعلى أعلى المستويات لا تريد أن تبقى عُمان تسبح في هذه المساحة النقية من المياه، لذلك تعمّدت أبو ظبي خلال السنوات القليلة الماضية تعكير مياه عُمان ومن ثم الاصطياد فيها.
كانت السلطنة ترى ذلك ومع هذا لم تكن تريد أن تخسر علاقتها مع الإمارات، لذلك تكتمت على نقاط الخلاف أملاً منها بأن تعود الإمارات إلى رشدها، لكن هذا لم يحصل واستمرت في استفزازها إلى أن خرجت السلطنة عن طورها وبدأت بالرّد على الإمارات ومعاملتها بالمثل، ومؤخراً صدر عن سلطنة عمان سلسلة تصريحات وقرارات لا تبشّر بالخير في مسير العلاقات بينها وبين الإمارات.
حول البنوك والتعليم
يوم الأربعاء "6 يونيو" صدرت أولى القرارات عن الهيئة العامة لسوق المال في سلطنة عُمان، التي قامت بإلغاء ترخيص بنك أبوظبي الأول (بنك أبوظبي الوطني سابقاً) من مزاولة العمل في مجال الأوراق المالية بالسلطنة، وهذا يعني خروجه من سوق المال العماني لأول مرة منذ دخوله عام 1976، ورغم أن السبب المعلن، أن بنك أبوظبي هو الذي طلب إلغاء ترخيصه، وذلك بحسب ما أوردت صحيفة "أثير" الإلكترونية العمانية، لكن ما بين السطور يعكس غير ذلك.
وما يثبت أن الأمور وصلت إلى مراحل متفاقمة، القرار الذي خرجت به السلطنة والذي توجّهت به إلى طلابها لتوجيههم بعدم الالتحاق ببرنامج دبلوم التأهيل التربوي في جامعة أبوظبي، ومقابل ذلك أدرجت جامعة "حمد بن خليفة" في دولة قطر، ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي المُوصى بالدراسة فيها.
وبحسب صحيفة "الرؤية" العُمانية، فقد أصدرت لجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العُمانية ومعادلة المؤهلات الدراسية التي تمنحها بوزارة التعليم قراراً، نصّ على قيام الملحق الثقافي العماني بالإمارات بتوجيه الطلبة العمانيين بعدم الالتحاق ببرنامج جامعة أبوظبي.
ومن ناحيةٍ أخرى أصدرت نفس اللجنة قراراً بعدم تصديق شهادات دبلوم التأهيل التربوي من قبل الملحق الثقافي للطلاب الملتحقين بعد صدور قرار منع الالتحاق بالبرنامج المذكور في المؤسسة المذكورة.
تشويه للتاريخ
من المؤسف حقاً أن الإمارات وصلت إلى حدّ من "الغرور السياسي" أو "النرجسية السياسية" من خلال تعاملها بصورة فوقية مع أشقائها الخليجيين، بحيث نجدها تعمل على سحب البساط من تحت الجميع بهدوء "السلحفاة" وتخفي "الحرباء" وتمكّنت من أن تحقق نتائج مرضية لنفسها في العديد من المجالات من خلال هذه السياسة، الموانئ مثلاً والسيطرة على أهمها، وما أغاظ العمانيين مؤخراً أن الامارات تعمل على سرقة تاريخهم وحضارتهم ونسبها لنفسها.
هل يُشترى التاريخ ويصنع بالمال فقط؟!
خلال الشهر الفائت نظّمت السلطنة ندوة لتأكيد عُمانية "المهلب بن أبي صفرة" (أحد ولاة الأمويين على خراسان)؛ وذلك استباقاً للمسلسل الإماراتي الذي يعرضه تلفزيون أبوظبي في رمضان عن "المهلب" لمحاولة إثبات نسبه للإماراتيين.
ولم تكتفِ الإمارات بذلك بل قامت خلال شهر يناير من العام الحالي بنشر "خريطة" مشوهة بمتحف اللوفر في أبو ظبي تُظهر محافظة "مسندام" العُمانية ضمن حدود الإمارات، ما أثار غضب السلطنة التي اتهمت الإمارات بسرقة تاريخ عُمان وشخصيات عُمانية تاريخية ونسبها إليها.
وسبق هذا الاستفزاز المتعمّد، إدراج الإمارات حضارة "مجان" العُمانية في مناهجها الدراسية تحت اسم "حضارة مجان في دولة الإمارات"، ما أثار حالة من الغضب العارم امتدت من عُمان إلى جارتها اليمن، كما شكا القائمون من اجتزاء حديث المؤرخ العُماني محمد المقدم، بما يناسب الفكرة العامة التي يرغبون بالترويج لها.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي العُماني عبد الله الغيلاني أن "التجاوزات الإماراتية والسلوك الرسمي للحكومة الإماراتية نوع من العدوان الثقافي والجغرافي على التراث العُماني".
لم تعد سلطنة عمان قادرة على التحمل
هذا الكلام ظهر واضحاً في تصريحات نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في سلطنة عُمان، عصام بن علي الرواس، في حديثه مع إذاعة "الوصال" المحلية، حيث أشار إلى تهديدات عُمانية بكشف أوراق دامغة ضد الإمارات، وأن "سلطان عُمان قابوس بن سعيد، لديه وثائق إذا أراد أن يكشفها فلن نحتاج لكل هذه الضجة، لكنه يمارس سياسة التهدئة داخلياً وخارجياً، ولا يريد أن يسيء لأحد؛ لأنه كبير وواثق من نفسه، ويعرف تاريخ بلاده جيداً".
الرواس، قال في حديثه لإذاعة "الوصال" المحلية: "على الجيران أن يستوعبوا من الآن فصاعداً أن صبر الشعب العُماني والمسؤولين في الدولة قد نفد، ولم يعد هناك قدرة على التحمل، في إشارةٍ للإمارات، التي استهدفت السلطنة مؤخراً، بمحاولات سرقة وتزوير للتاريخ العُمانيّ، خاصة بعد حملات "الذباب الإلكتروني"، وهو مصطلح يستخدمه ناشطون للدلالة على حسابات إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للسعودية والإمارات".
في واقع الأمر يبدو أن الإمارات تريد شيطنة سلطنة عمان على غرار ما فعلت مع قطر، لعزلها وإجبارها على اتباع أوامر الإمارات في كل شيء، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال ما ذكرناه آنفاً، أضف إلى ذلك محاولتها شراء ولاءات لها في عمان لإيجاد بديل للسلطان قابوس، فضلاً عن سيطرتها على محافظة "المهرة" اليمينة وتجنيسها مواطنين من هناك للضغط على عمان، ومع ذلك لم ترضخ سلطنة عمان حتى اللحظة، فهل ستتجه الأمور مستقبلاً إلى مزيد من المواجهة أم ستمتص سلطنة عمان ما يجري وتحرف مسارها لمصلحة الإمارات؟!.