الوقت - شهد النصف الثاني من القرن العشرين تدخل العديد من القوى الكبرى في انتخابات الدول الأخرى، وكانت حصة أمريكا هي الأكبر من هذه التدخلات خلال المدة المذكورة.
وذكر "جيمس کلبر" المدير السابق لجهاز المعلومات الوطنية في أمريكا أن تدّخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ "سي آي إيه" في انتخابات الدول الأخرى يهدف إلى تحقيق مصالح واشنطن في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، مشيراً إلى أن هذا التدخل يتم عادة من خلال تزييف نتائج الانتخابات، أو حتى تدبير الانقلابات وإسقاط الحكومات في تلك الدول إذا تطلّب الأمر.
وتؤكد الوثائق المتوفرة أن القوى الكبرى تدخلت في انتخابات 117 دولة بين عامي 1946 و2000، وذكر الخبير السياسي والاستراتيجي في جامعة كارنكي "داو لوين" في حديث له مع شبكة "سي أن أن" أنه بدأ البحث في هذا الموضوع قبل أن يصبح حديث وسائل الإعلام، مشيراً إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدخلت في 81 تجربة انتخابية لـ47 دولة حول العالم منذ عام 1946 وحتى عام 2000."
ووفقاً لقول لوين، فقد دعمت أمريكا في عام 1948 حكومة الديمقراطيين المسيحيين المركزية في إيطاليا بالانتخابات أمام التحالف اليساري المدعوم من أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وقدّم عملاء الاستخبارات الأمريكية ملايين الدولارات لحلفائهم الإيطاليين وساعدوهم على تنسيق حملة دعائية سريّة غير مسبوقة شملت تزوير وثائق لتشويه سمعة القادة الشيوعيين.
ومن الأمثلة البارزة لتدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في انتخابات الدول الأخرى قيامها بتدبير انقلاب ضد حكومة منتخبة في إيران عام 1953، حيث تم إسقاط حكومة رئيس الوزراء "الدكتور محمد مصدق" الذي كان يصرّ على تأميم النفط الإيراني، وتم إعادة النظام الملكي الموالي للغرب مرة أخرى والذي استمر حكمه 26 عاماً قبل أن يتم إسقاطه بانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
ومن الشواهد الأخرى على تدخل الـ "سي آي إيه" في انتخابات الدول الأخرى ما حصل في تشيلي، حيث قامت واشنطن بتدبير انقلاب دموي أطاح بحكومة الرئيس "سلفادور أليندي" عام 1973.
في هذا السياق يقول رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي السابق "فرانك جورج" إن الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" كان يعتقد بضرورة قيام الـ "سي آي إيه" بتدبير انقلاب للإطاحة بحكومة "سلفادور أليندي" المنتخبة في تشيلي مطلع سبعينات القرن الماضي إذ لم يكن بالإمكان التدخل عسكرياً في هذا البلد لتحقيق هذا الغرض.
وفي تسعينات القرن الماضي تدخلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الانتخابات الروسية لإعادة اختيار الرئيس "بوریس یلتسین" لولاية ثانية، حسبما أكد ثلاثة من مستشاري البيت الأبيض في زمن الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون".
وخلال ذلك قامت أمريكا بضرب الاقتصاد الروسي، حيث أيّد كلينتون منح قرض بقيمة 10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي مرتبط بخصخصة وتحرير التجارة، وتمكن يلتسين من توظيف هذا القرض لتعزيز موقفه الشعبي من خلال زيادة المعونات الاجتماعية ودفع الأجور المتأخرة والمعاشات التقاعدية ما أدّى بالتالي إلى فوزه في الانتخابات.
ومن جملة الدول التي تدخلت أمريكا في تجاربها الانتخابية هي: "الصومال، الأرجنتين، اليابان، ألمانيا الغربية، الفلبين، البرازيل، اندونيسيا، لاوس، ايسلندا، سريلانكا، لبنان، اليونان، غواتيمالا، ماليزيا، نيبال، سان مارينو، بيرو، بوليفيا، كوستاريكا، جمهورية الدومينيكان، جنانا، تايلاند، مالطا، الأوروغواي، بنما، انجلترا، بلغاريا، جمهورية التشيك، هايتي، نيكاراغوا، رومانيا، البانيا، يوغوسلافيا، صربيا والجبل الأسود، كمبوديا، أوكرانيا، سلوفاكيا، جنوب فيتنام، جامايكا، السلفادور، ماريتوس وغرناطة."
في هذا السياق كشف الصحفي الأمريكي "ستيفان كينزر" عن تاريخ حافل للحكومات الأمريكية في التدخل بالانتخابات الرئاسية للدول الأخرى.
وقال كينزر: "لقد استخدم القادة الأمريكيون طوال ما يزيد عن قرن من الزمن مجموعة متنوعة من أدوات التأثير على الانتخابات في البلدان الأخرى، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى حدّ تهديد المعارضين لواشنطن بمنعهم من المشاركة في هذه الانتخابات".
وتحت عنوان "عشرات السنين وأمريكا تتدخل في الانتخابات التي تجري على مستوى العالم" نشرت صحيفة "لوس انجلس تايمز" الأمريكية تقريراً في وقت سابق جاء فيه: "إن واشنطن لديها تاريخ طويل من محاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية في بلدان أخرى أو دعم الانقلابات العسكرية لتغيير الأنظمة في هذه الدول في أعقاب انتخاب مرشحين لا يريدهم البيت الأبيض".
وتابعت الصحيفة إن عملية التدخل تشمل تمويل الحملات الانتخابية لأحزاب معينة ونشر معلومات مضللة وتقديم مساعدات مالية للمرشحين الذين تدعمهم واشنطن، مشيرة إلى أنه وفي 59 بالمئة من هذه الحالات، فإن الجهة التي تلقت مساعدات تمكنت من الوصول إلى السلطة في بلدانها.