الوقت- مازال العالم يترقّب موضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتبعات هذا الحدث على طبيعة العلاقات القادمة بين الدول، وفرز المواقف بين مؤيد، ومعارض، ومن يقف على الحياد بينهما، البعض حسم موقفه مثل الباراغواي وغواتيمالا اللتين نقلتا سفارتيهما إلى القدس دون أي تردد خدمة لمصلحتيهما التي تقتضي الوقوف إلى جانب الأمريكي لكي تحظيا بعشاء فاخر، مشابه لذلك الذي دعت إليه واشنطن الدول التي وقفت معها عندما منحت 151 دولة صوتها في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك لتأكيد عدم صلة القدس بـ "إسرائيل".
البعض سيراقب العشاء المرتقب من واشنطن؛ وفي حال كان دسماً، ستسارع بعض الدول لاتخاذ موقف يشابه موقف الباراغواي وغواتيمالا، والبعض الآخر ممن لا يزال يعير أهمية لقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والتي تؤكد أحقية الفلسطينيين بالقدس كعاصمة لهم، سيمتنع عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، دفاعاً عن الحق، وتأكيداً على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن الخضوع لواشنطن، ومجاراتها في هذا الحدث قد يجبرها في المستقبل على التنازل عن أشياء أكثر أهمية وحسّاسة بالنسبة لهم، لذلك يجد هؤلاء بأن القوانين الدولية هي الفيصل في هذا القرار.
وبين المجموعة الأولى والثانية، تتجه الأنظار إلى الدول الإسلامية والعربية لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، والكثير من هذه الدول بنت سياستها على أساس هذه القضية، لذلك سيكون لموقف هذه الدول دور كبير في تجميد قرار ترامب في حال وقفت في وجهه مجتمعةً، وقد يكون لها دور معاكس؛ أي السماح بتمرير القرار على أرفع مستوى، من خلال التعامي عنه، أو دعمه في الظل، لتبدأ هذه الدول تباعاً رفع الراية البيضاء للأمريكي دون الاكتراث لعشرات الشهداء الفلسطينيين الذي يسقطون كل يوم على الحدود مع الأراضي المحتلة من جانب قطاع غزة، دفاعاً عن حقهم المشروع في القدس وبقية المناطق، وصمت الحكّام العرب عمّا يجري سيكون بمثابة طعنة في الظهر لإخوانهم الفلسطينيين، وفي حال جرى ذلك سيصمتون عن طعنات متتالية ستحدث لهم تباعاً، فالتاريخ علّمنا أن "اسرائيل وأمريكا" ليس لديهما أي خطوط حمراء، وما التقارب الخليجي "الإسرائيلي" هذه الأيام، إلا نذير شؤم للأمة العربية سندفع ثمنه جميعناً.
عندما تتطبّع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" سيكون الموقف العربي ضعيفا تجاه ما يجري في القدس لأنه سيكون منقسماً على ذاته، وبالتالي سيكون اختراق جسد الأمة سهلاً، وسيكون تحويل الفلسطينيين إلى "كبش فداء" خدمة لأطماع شخصية غرائزية بمثابة الضربة القاصمة لهيكل الأمة الذي سينقسم إلى عدة أقسام في الرأي، والموقف تجاه ما يجري، لذلك ستكون المرحلة المقبلة "مرحلة تحديد مصير" هذه الأمة ومن يخطئ في اتخاذ القرار لن يكون في مأمن من القادم.
وكم من المؤسف لنا جميعاً أن يصل بنا الأمر إلى أن يتحدى إعلامي وباحث "إسرائيلي" الدول العربية سحب سفرائها من أمريكا احتجاجاً على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
هذا الإعلامي الصهيوني والذي يدعى "ايدي كوهين" نشر يوم الخميس الماضي تغريدة على حسابه في "تويتر" قال فيها إن "وزيراً فلسطينياً يدعو الدول العربية لاستدعاء سفرائها من أمريكا على خلفية نقل السفارة إلى القدس، وفي حال أن أي دولة عربية استجابت فأنا سأعلن إسلامي".
الوزير المقصود هو وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الذي اقترح على الدول العربية استدعاء سفرائها لدى أمريكا ردّاً على نقل واشنطن سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وقال المالكي في تصريحات داخل مقرّ الجامعة العربية في القاهرة "لا يوجد ضرر في الدول العربية التي تستدعي بشكل جماعي سفراءها في واشنطن إلى عواصمها لإجراء مشاورات".
كلام الوزير الفلسطيني كان عين الصواب لمن لا يزال يعير أهمية للقدس ومكانتها التاريخية والدينية، لأن ما تحدّث عنه الوزير المالكي هو الحلّ الوحيد لإنقاذ ما تبقّى من الموقف العربي الموحّد، وهو دعوة للتوحّد في وجه النار القادمة من الغرب، وفي حال لم يتم إخمادها ستصل ألسنتها إلى كل المنطقة، لذلك يجب استخدام هذه الورقة لتكون ورقة ضغط على ترامب لتجميد قراره.
ما قامت به الباراغواي يوم الاثنين الماضي من نقل سفارتها إلى القدس لتصبح ثاني دولة تقتدي بأمريكا بعد غواتيمالا، يجب أن يتم وضع حدّ له ويجب أن يتحرّك العالم الإسلامي أمام أي دولة تسعى لنقل السفارة إلى القدس باستدعاء السفراء وقطع العلاقات، وفي حال لم يتم ذلك ستبدأ بعض الدول التي تربطها مصالح قوية مع أمريكا بالسير على طريق الباراغواي وعندما تمشي الدول في هذا الاتجاه سيكون وضع القدس في خطر، وعندها سيكون الجميع مسؤولاً عمّا يجري، وعليهم أن ينتظروا القرارات القادمة من واشنطن، والتي لن ترحم أحداً، ففي حال تم الصمت عن القرار الأول فما هو الرادع لإطلاق القرار الثاني، والثالث، والرابع، حتى يتم تجريد فلسطين من هويتها والعرب من موقفهم؟!. البعض يدّعي أنه لا يستطيع الوقوف بوجه أمريكا، فماذا عن بقية الدول؟