الوقت- يصادف اليوم 15 مايو/ أيار 2018 ذكرى مرور 50 سنة على فتوى تحريم التنباك لـ "السيد محمد حسن الحسيني الشيرازي" التي وقفت أمام حصر شراء وبيع التنباك والتبغ من قبل الشركة البريطانية "الريجي"، حيث كان لهذه الفتوى دور كبير ومهم في تاريخ الشيعة بمحاربة الاستعمار حيث أبرزت الدور السياسي الديني للمرجعية الشيعية.
وبدأت القصة، حين قام ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1306هـ، بعقد اتفاقية مع شركة انكليزية باحتكار (التبغ الإيراني) وبموجب هذا العقد فإنه يحق للإنكليز التصرّف بالتبغ (التتن) في داخل إيران وخارجها لمدة 50 عاماً، وستقوم الشركة بالمقابل بدفع 15 ألف ليرة سنوياً لحكومة الشاه على أن تكون هناك نسبة من هذه الأرباح للشاه ناصر الدين، وعلى إثر هذا الامتياز وصل إلى إيران أكثر من مئتي ألف أجنبي، قاموا باستغلال المواطنين واستضعافهم، وإشاعة المفاسد الاجتماعية والأخلاقية.
في العام نفسه، ذكرت جريدة "أختر" الفارسية الصادرة باللغة العثمانية (تركيا الحالية)، في مقابلة مع تالبوت، الفوارق الشاسعة في حصة التبغ الإيرانية مع حصة العثمانيين التي حصلوا عليها من نفس الشركة البريطانية، كما قامت بنشر تأثيرات هذا العقد على الشعب الإيراني وآثاره السلبية على الاقتصاد الإيراني، وبناءً على هذا التقرير، وبالنظر إلى أن التنباك والتبغ هما أحد أهم السلع التجارية والتصديرية في إيران حيث كان حوالي 200 ألف شخص يعملون في زراعته وبيعه، قام تجار التبغ والعاملون في زراعته في 15 مارس 1269 بالاعتصام داخل مرقد "الشاه عبد العظيم" منددين بهذه الاتفاقية وقد رفعوا دعوى قضائية ضد الحكومة الإيرانية رافعين شعار عدم التنازل عن حقوقهم لشركة الريجي البريطانية.
وبدأت الاحتجاجات الأولى بقيادة آية الله سيد علي أكبر فالاسيري، صهر الميرزا شيرازي ومن العلماء البارزين في شيراز، وعلى الرغم من كل العنف الذي مارسه الحاكم ضد المتظاهرين، استمرت المقاومة الشعبية وانتقلت المظاهرات ضد الشاه إلى تبريز ومشهد وأصفهان وطهران وأجزاء أخرى من إيران، ففي تبريز قام العاملون بقيادة المرجعية الشيعية بالوقوف أمام العمال الأجانب وطردوهم من المدينة كما قاموا بتمزيق إعلانات الشركة وحرقها بالكامل، وفي أصفهان قام العلماء بإصدار فتوى تقتضي بتحريم استعمال الدخانيات في مدينة أصفهان كما قاموا بإشعال النار بأطنان من التبغ وقاموا أيضاً بتقسيم بعض هذا التبغ على أبناء المدينة.
وفي تلك الأيام قام السيد جمال الدين الأفغاني، أحد الأعلام البارزين في النهضة المصرية ومن أعلام الفكر الإسلامي بالنسبة للتجديد، بانتقاد الاتفاقية من على منابر المساجد في طهران حيث قال: بأي حق ينحصر بيع وشراء التبغ الإيراني بشركة أجنبية"، وبعد هذا التصريح قام الشاه ناصر الدين بإخراجه من إيران.
وعلى إثر ذلك أدرك علماء إيران أن توفير فرصة أكبر لنجاح الانتفاضة الشعبية من أجل إلغاء الاتفاقية يتطلّب دعم وتأييد المرجع الأعلى للشيعة السيد الشيرازي، فأرسل عدد منهم (ومن بينهم آية الله السيد علي أكبر فالاسيري والسيد منير الدين بوروجردي أصفهاني) برقيات إلى الميرزا الشيرازي طالبين منه دعمهم، فردّ عليهم طالباً منهم توضيحاً أكثر لمطالبهم، وعندما اطّلع على تفاصيل القضية قام بإرسال تلغراف إلى الشاه مطالباً إياه بالاستجابة للرعيّة وإلغاء الاتفاقية لمساوئها الكثيرة، غير أن الشاه لم يردّ على رسالة الميرزا، فعندها يأس الأخير منه، فأصدر فتواه الشهيرة، والتي كان نصّها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه. محمد حسن الحسيني الشيرازي".
وفور صدور الفتوى، طُلب من المسؤولين في الحكومة حظر نشر هذه الفتوى بين الناس وسدّ الطريق أمام السيد الشيرازي، لكن هذه الإجراءات الحكومية لم تكن مفيدة أيضاً، حيث كانت هذه الفتوى بمثابة القنبلة من حيث تأثيرها على المجتمع الإيراني فقد تم استنساخها بمئة ألف نسخة، وزّعت في مختلف أنحاء إيران وتُليت من على المنابر في المساجد والحسينيات، ثم أعقبها الميرزا الشيرازي بفتوى أخرى جاء فيها: "إذا لم يُلغ امتياز التنباكو بشكل كامل، سأعلن الجهاد العام خلال ثمان وأربعين ساعة" وعلى إثر ذلك حدثت اضطرابات وتظاهرات في أماكن متعددة تطالب بإلغاء الامتياز بصورة كاملة، وأخيراً اضطر الشاه القاجاري تحت ضغط الجماهير بقيادة العلماء إلى الإعلان عن إلغاء الامتياز كاملاً.
من دون أي شك كانت فتوى التنباكو، بمثابة شرارة لانتفاضة الشعب الإيراني المسلم ضد الأهداف الاستعمارية، قادها مجموعة من علماء الدين بقيادة المجدد الشيرازي الكبير، لنيل الحرية والاستقلال، هذا النوع من الفتاوى كان له دور أساسي في الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعوب في المنطقة والتي كان آخرها أيضاً فتوى المرجع الديني العراقي السيد السيستاني في 13 حزيران 2014 التي دعا من خلالها القادرين على حمل السلاح إلى التطوّع للانخراط في صفوف القوات الأمنية من أجل الجهاد ضد تنظيم داعش الإرهابي، ما يدعو كل علماء الدين إلى الاقتداء بهذا النهج الأبوي لمواجهة الأزمات التي تعصف بالمنطقة والعالم الإسلامي برمته، وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمكّن الشعوب من استعادة مكانتها، وقدرتها على التصدي لمواطن الضعف بكل أشكاله وإجهاض المشروع الغربي الذي تتزعمه أمريكا في المنطقة لخدمة مصالح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمنتهك للمقدسات ولاسيّما القدس الشريف.