الوقت- شکلت مدينة القدس والمسجد الاقصى المبارك خلال العقود المنصرمة المحور الرئيس لاحداث وانتفاضات كبرى شهدتها الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد ان كانت آخر هبة كبيرة لهذه المدينة المقدسة يرجع تاريخها الى اوائل القرن الماضي فی اطار أحداث البراق عام 1929م.
منذ ذلك الحين الى انتصار الثورة الاسلامية في ايران لم نسمع عن هذا الدور بالشكل المكثف الذي نسمعه اليوم بالرغم من اعتراف جميع الاطراف بان القدس لها القدرة على ان تتحول الى عنوان الصراع مع الإسرائيليين.
وهنا جاء دور الثورة الاسلامية وقائدها الامام الخميني رضوان الله عليه لتفتح الباب امام الدعم والمساندة الاسلامية لكفاح الشعب الفلسطيني المظلوم، كفاح تجسد في عصرنا الحاضر بانتفاضتين كبيرتين وهزيمة العدوان الإسرائيلي في ثلاثة حروب متتالية ضد قطاع غزة.
وحسب محللين فان رؤية الامام الخميني للقضية الفلسطينية كانت تمتاز بعدة خصائص اهمها الصراع المصيري والوجودي مع الكيان الإسرائيلي، وهو صراع لن يدخل في اطار المساومات الرخيصة.
وقد كان لشرائح كبيرة من الشعب الفلسطيني اذان صاغية لرؤية الامام الخميني لهذه القضية وبدأ هذا الشعب المناضل وبالاستلهام من تجربة الثورة الشعبية في إيران والتأسي بالنضال المدروس في تعبئة فئات المجتمع، بدأ بتنظيم التظاهرات وإقامة المسيرات الضخمة بمشاركة جموع غفيرة من الرجال والنساء والأطفال وعلماء الدين والمثقفين، وانطلق الجميع بقبضات حديدية في صف واحد يواجهون رصاص الإسرائيليين. وقد استطاع هذا الشعب تغيير أشكال النضال إلى حد كبير انطلاقاً من المسجد وصلاة الجمعة وليكون للمسجد موقعه الخاص في هذا النضال التعبوي الجماهيري الذي عرف في الإعلام باسم "الانتفاضة".
اليوم ومع تنامي الاستفزازات والاعتقالات ضد الشعب الفلسطيني في القدس والمسجد الأقصى، والاشتباكات المستمرة مع المصلين والمقدسيين وإلإغلاقات للمسجد الأقصى تتنامى ردود الفعل الفلسطيني یوما تلو الآخر كان آخرها عمليات الدهس والطعن التي يقوم بها شبان فلسطينيون اكثرهم مقدسيون لم يحتملوا مشاهد الاعتداء على المسجد الأقصى، في ظل تقارير مراكز دراسات تختص في شؤون القدس تؤكد انه لم يسبق منذ أن احتل الکيان الإسرائيلي شرقي القدس عام 1967 مثل هذه الاعتداءات.
من جانب آخر لم ينس العالم ناهيك عن الإسرائيليين الى يومنا هذا تفجر انتفاضة الاقصى اثر دخول ارييل شارون رئيس وزراء هذا الکيان الأسبق الى ساحات المسجد الاقصي.
وحسب خبراء فلسطينيين فإن ما يشهده المسجد الأقصى هذه الأيام ونحن على اعتاب اليوم العالمي للقدس هو الأخطر والأكبر منذ أن احتلت القدس، فقد أبدى بعض المسؤولين الإسرائيليين خشيتهم أن تكون أحداث القدس التي نعيشها اليوم فاتحة لانتفاضة ثالثة تربك حساباتهم وحسابات سلطة الحكم الذاتي التي ربطت مصيرها بمصير الکيان الإسرائيلي.
فقد صرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عدة مناسبات بأن سلطته لن توافق ولن تسمح بأي حال على اندلاع انتفاضة ثالثة، ولعل الأحداث الدائرة الآن من اعتقالات في صفوف اعضاء وكوادر الفصائل الفلسطينية المقاومة إسلامية كانت او وطنية هی خير دليل على هذه السياسة.
الاوساط الامنية والاعلامية الإسرائيلية تدعي ان العمليات التي يقوم بها الشبان الفلسطينيون هي ردود أفعال عفوية وفردية لا ترتبط باي فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية وإن كان البعض نسب أفرادها إلى تنظيمات إسلامية مقاوِمة لتكون شهادة اخرى تبين مدى ارتباط الشعب الفلسطيني بمقدساته، فقد استعملت في هذه العمليات السيارات لدهس الجنود الاسرائيليين في الشوارع والساحات العامة، كما استعمل البعض السكاكين وقضبان الحديد لاعلان حقه في الدفاع عن ارضه واخراج المحتل منه.
فإذا كانت الحجارة في الانتفاضة الأولى هي السلاح المستخدم، وامتازت الانتفاضة الثانية باستخدامها الادوات العسكرية للنضال من أسلحة خفيفة ومتوسطة، فقد بقي المسجد الاقصى المحور والارضية التي أبقت على ديمومة الانتفاضات وحيويتها الى اكثر وقت ممكن ليكون اطلاق انتفاضة الاقصى على الانتفاضة الثانية تيمناً ببدءها لنصرة الاقصى الشريف خیر شاهد على ما ذكر.
واليوم ايضا نحن على اعتاب انتفاضة فلسطينية اخرى تسعى لتكون بنفس اللون والنكهة والاتجاه فما يجري اليوم يبدو وكأنه انتفاضة ثالثة ستعم مناطق الضفة والمناطق التي احتلت في عام 1948م.
وحسب تقارير صحفية فقد ظهر جيل جديد مقاوم - لعل منهم من ولد أبان الانتفاضة الثانية - تشارك مع الجيل الذي عايش أحداث القدس منذ عام 1967م وإلى الآن ليحملون على اكتافهم راية تحرير الاقصى الشريف.
فلا شك أن إصرار الشعب الفلسطيني بأجياله المختلفة على الدفاع عن المسجد الأقصى وتمسكه الكبير بالارض في جميع فلسطين بشكل عام ومدينة القدس بشكل خاص، منبعه قناعة رسخت في ذهنه وعقله تؤكد أن دحر هذا الاحتلال لا يمكن الا بالتمسك بالثوابت الفلسطينية وهويته العربية والاسلامية وعلى راس كل ذلك التمسك بالقدس وتحرير الاقصى الشريف. وهي استراتيجية اسس لها الامام الخميني الراحل رضوان الله عليه قبل اكثر من ثلاثة عقود ليدخل هذا العامل المصيري كرقم صعب الى ساحة النضال لهذا الشعب المظلوم.
فالتواجد الواعي والعملي للجماهير الفلسطينية في طريق خط الامام الخميني ادى الى نقل القضية الفلسطينية إلى وضع مختلف تماماً عن ما كان خلال الثورات العربية مكنه من تحريك انتفاضات جماهيرية وتكرارها كلما سنحت له الفرصة.