الوقت- حالة من الترقب يشهدها السوريون خاصةً؛ والمجتمع الدولي عامة بعد التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب والتي قال فيها إنّ بلاده ستشنُّ عمليّةً عسكرية على بعض المواقع في سوريا وذلك كردِّ فعل على استهداف كيماوي "مُفبرك" قامت به الحكومة السورية في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، الأمر الذي أدّى لوجود حالة من الهرج والمرج حول هذه العملية خصوصاً بعد فشل واشنطن وشركائها باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي مساء أمس 10 نيسان/ أبريل.
ادعاءات مُفبركة
الجيش السوري الذي استطاع أن يُحرّر كل أرجاء الغوطة الشرقية من دون استخدام أيَّ نوعٍ من الأسلحة الكيميائية، بالإضافة لإخراج إرهابيي جيش الإسلام من مدينة دوما بالتفاوض عبر الوسيط الروسي، لا يحتاج إلى استخدام تلك الأسلحة وقد بات على مشارف المدينة، وأصبح تحريرها مجرد وقت، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ أيّ استهداف للمدينة بالسلاح الكيماوي سيُعرّض حياة جنوده إلى الإصابات بالغازات السامة حيث إنّ جنود الجيش السوري كانوا على تماس مباشر مع المجموعات الإرهابية التي كانت تتحصن في مدينة دوما.
أكثر من ذلك؛ فقد أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي أكثر من مناسبة أنّ الحكومة السورية لا تمتلك أيّ أسلحة كيميائية، خصوصاً بعد أن توصلت كل من الحكومة السورية وروسيا وأمريكا في العام 2013 إلى اتفاق مفاده تسليم الحكومة السورية لترسانتها من الأسلحة الكيميائية، وقد تمّ هذا الأمر بالفعل في العام 2014، وأصبحت سوريا ومنذ ذلك الوقت وبحسب تأكيد المنظمة المذكورة خالية من الأسلحة الكيميائية.
وفي السياق ذاته أكدت وزارة الخارجية السورية على أنّ دمشق رحبت بأي لجنة تحقيق حيادية نزيهة غير مسيسة ولا مرتهنة لدول محددة، مشيرةً إلى أنّ ذريعة الكيميائي باتت مكشوفة للقاصي والداني كحجة واهية غير مدعومة بالدلائل لاستهداف سوريا.
جعجعة بلا طحين
عدّة أيامٍ مرّت على بداية التهديدات الأمريكية الأمر الذي يبدو كجعجعة من دون طحين، خصوصاً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية السائدة، فمن شأنّ حربٍ كهذه أن تهبط باقتصاديات العديد من الدول التي قد تُشارك في العدوان ولا سيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا، حيث إنّه ومع بداية الحديث عن شنّها للعدوان على سوريا ارتفعت أسعار النفط بشكلٍ جنوني ووصل سعر البرميل منه إلى 71 دولاراً أمريكياً، وهي سابقة منذ العام 2014.
أكثر من ذلك؛ فإنّ العدوان الذي بات مُحتملاً يرى فيه الخبراء عبارة عن ضربات صغيرة ومحددة لن تُغير من الوضع السائد في سوريا، خصوصاً مع انحسار سيطرة المجموعات المُسلحة إلى نقاطٍ محددة في الشمال الغربي والجنوب الغربي من سوريا.
وبالإضافة لما سبق فإنّ انتشار الجنود الروس في سوريا من شأنّه أن يَحُدَّ من فعالية أيّ ضربات جوية غربية، وفي حال أقدمت دول العدوان على هكذا حماقة وضربت المواقع الروسية في سوريا؛ فمن شأن هذا الأمر أن يفتح الباب على مصراعيه لحرب عالميةٍ ثالثة لن تبقي ولن تذر، وهذا الأمر الذي لا يُريده أحد لا في البيت الأبيض ولا الإليزيه ولا حتى الكرملين، وستُفكر دول العدوان ألف مرّة قبل الإقدام على هكذا حماقة.
دفع فاتورة
من المؤكد أنّ أمريكا ليست جمعيّة خيريّة، ومن المؤكد أيضاً أن قتلى الكيماوي المُفترضين لا يعنون لها من قريب أو من بعيد، غير أنّ عدواناً كهذا ينظر إليه خبراء كعملية دفع للفاتورة بعد أنّ أغدق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأموال السعودية على دول العدوان الثلاثة، ويبدو أنّ زيارة ابن سلمان للدول الثلاث مؤخراً تأتي في هذا الإطار، إذ يجب أن تقوم أمريكا والدول المتحالفة معها بشيءٍ ما مقابل المليارات التي تمّ جنيها من السعودية.
أكثر من ذلك؛ يحاول ترامب ومن خلال العدوان على سوريا تغطية فضائحه المنتشرة في الإعلام الأمريكي، حيث داهم مساء أمس المحقق مولر مكتب محامي ترامب الخاص، وكما يقول ترامب ذاته في تغريدة على موقع تويتر إنّ معظم مشكلاته مع روسيا سببها تحقيقات مولر "الفاسدة والكاذبة".
حرب التغريدات
منذ صباح اليوم الأربعاء 11 نيسان غرّد ترامب بعدد كبير من التغريدات التي تُساهم بصب الزيت على النار، حيث قال إنّ علاقات بلاده مع روسيا أسوأ من أي وقت مضى، كما طالب عبر تغريدةٍ أخرى إنهاء سباق التسلح! وأضاف في تغريدةٍ تالية إنّ روسيا "بحاجة لمساعدة اقتصادية منا وهذا أمر سهل التحقيق".
وتابع الرئيس الأمريكي حماقاته من خلال التغريدات إذ قال: "استعدي يا روسيا الصواريخ قادمة"، وتابع في غيرها: "صواريخ جديدة وذكية ستستهدف سوريا" وطالب أيضاً موسكو بألّا تقف مع الرئيس السوري حيث قال إنّه لا ينبغي أن تكون روسيا شريكة مع الرئيس الأسد.
بدوره رئيس لجنة الدفاع بـ "الدوما" أكد بقوله: نحن قادرون على رد فعال وسريع على أي ضربة عسكرية أمريكية في سوريا، وقالت الخارجية الروسية في مجموعة تغريدات على تويتر ردّاً على ترامب: "قد يكون هدف الصواريخ الذكية طمس أدلة الهجوم الكيميائي المزعوم "وأضافت في أخرى: "إذا أراد ترامب وقف سباق التسلح فليبدأ بالترسانة الأمريكية للأسلحة الكيميائية" وأشارت الخارجية الروسية إلى أنّ الصواريخ الذكية التي يُروّج لها ترامب يجب أن توجه إلى الإرهابيين لا الحكومات الشرعية.
وفي النهاية لا يمكن أن يُقرأ العدوان الأمريكي المحتمل على سوريا إلى من باب دعم بقايا الإرهاب الموجود في سوريا والذي عملت أمريكا ومنذ ثمانية أعوام على دعمه، ومن ناحيةٍ أخرى استمرار "استغباء" حكام السعودية والإمارات وقطر لجني المزيد من الأموال من خزائنهم التي فتحت أبوابها للأمريكيين، حيث لن يكون هذا العدوان أكبر من سابقه الذي استهدف مطار الشعيرات قبل عامٍ من الآن.