الوقت- في ظل الظروف المتسارعة التي تدفع بها القوى الكبرى في المنطقة، لا تستطيع أن تقف على الحياد أو أن تتجاهل ما يجري، لأن الأحداث المتتالية تضخمت لدرجة يجب أن تحدد موقفك مما يجري وإلا لن يرحمك التاريخ الذي يصنعه أبطال هذه المرحلة.
ومن بين هذه الأحداث تبرز القضية الفلسطينية إلى الواجهة بطريقة غير مسبوقة لتكون الفيصل في تحديد مسارات الأمة في المرحلة القادمة، نذكر هذا الكلام لأن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لا يريد أن يكون مثل أسلافه بل يريد أن يصنع تاريخاً جديداً وأن يظهر فيه بطلاً أسطورياً يخلده التاريخ، ولكي يتحقق ذلك لا بدّ من اللعب على أوتار القضية الأكثر حساسية والتي تمس الأمة الإسلامية جمعاء ألا وهي "القضية الفلسطينية"، لذلك سارع الرئيس الأشقر إلى إعلان قرارات لم يسبقه عليها أحد من نقل السفارة إلى القدس إلى إعلان القدس عاصمة لـ"اسرائيل" تمهيداً للوصول إلى "صفقة القرن"، وبين القرارات الثلاثة كان لا بدّ للدول الإقليمية من أن تحدد موقفها مما يجري لأن ترامب لم يعطِ فرصة لأحد بأن يكون حيادياً في هذه المسألة وهنا تكمن إيجابية القرار في معرفة من يدعم "القضية الفلسطينية" بشكل حقيقي وعملي دون إطلاق تصريحات خلبيّة لا تعود على الشعب الفلسطيني بأي منفعة.
قرار ترامب كشف المستور عن الجميع وأظهر صدق النوايا، وكان أول المنسحبين من دعم هذه القضية "السعودية، الإمارات ومصر" لتتبعهم فيما بعد "الأردن" بنسب أقل، نظراً لكون الأخيرة واقعة بين نارين، نار الداخل الذي يعج بالفلسطينيين ونار الخارج الذي تمثله واشنطن والتي لا يمكن معاندتها من قبل الأردن الذي يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، في المقابل برز نجم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعم القضية الفلسطينية والذي لم ينطفئ أساساً لأن مواقف الجمهورية بقيت ثابتة منذ نجاح الثورة الإسلامية وحتى اللحظة، فهناك دائماً دعم معنوي ومادي لهذه القضية التي تعتبرها إيران قضية مركزية بالنسبة لها، وهي اليوم تدفع ثمن دعمها لها ومع ذلك لم تقبل بالتخلي عنها بالرغم من جميع الضغوط والإغراءات التي قدمت لها.
ويثبت ذلك الخطاب الذي أرسله رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية إلى الإمام الخامنئي لشكره على دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقضية الفلسطينية حيث أثنى في رسالته حينها على إرشادات قائد الثورة الإسلاميّة لحركة المقاومة، واستطرد قائلاً: سنقوم بإطلاق انتفاضة شعبيّة مدويّة داخل الضفّة الغربيّة والقدس وسنبطل من خلالها مفاعيل مؤامرة طاغوت العصر (ترامب) وحكام النفاق في العواصم البعيدة والقريبة الرامية إلى إنهاء قضية فلسطين بإذن الله.
واليوم يأتي الرد من قبل الإمام علي الخامنئي، حيث شدد في خطابه على مواقف الجمهورية الإسلامية الثابتة فيما يخص الدعم الكامل لفلسطين ومجاهديها وأشار السيد الخامنئي إلى أنّ علاج قضية فلسطين يكمن في تقوية الجناح المناضل والمقاوم في العالم الإسلامي وتفعيل الكفاح ضدّ الكيان الغاصب والداعمين له وأكّد الإمام الخامنئي قائلاً: السّير في اتّجاه عقد مفاوضات مع الكيان المخادع والكاذب والغاصب خطيئة عظيمة لا تُغتفر تُؤدي إلى تأخّر انتصار الشعب الفلسطيني ولا تحمل في طيّاتها سوى الخسران لذاك الشعب الذي يرزح تحت وطأة الظّلم، وأضاف: "خيانة بعض القادة العرب التي تنكشف حاليّاً بشكل تدريجي تنشد أيضاً تحقيق هذا الهدف".
ما هي أبعاد هذه الرسالة ولماذا الآن؟!
أولاً: الأمور أصبحت على المحك والإمام الخامنئي يدرك جيداً خطورة الموقف ويعلم أن الفلسطينيين يعيشون ظروفاً صعبة جداً ويقارعون العدو الصهيوني وحيدين، لذلك جاءت هذه الرسالة لكي تطمئن أبناء الشعب الفلسطيني بأن الجمهورية الإسلامية تساندكم وتقف معكم كما السابق ولن تثنيها الضغوط عن توجيه الدعم المطلوب.
ثانياً: السعودية ماضية أكثر من أي وقت مضى للتطبيع مع كيان الاحتلال وهذا بحد ذاته يشكل صفعة قوية لأبناء فلسطين وطعنة بالظهر، خاصة أن المملكة السعودية تعتبر نفسها قائدة للأمة الإسلامية ولكن كيف يكون ذلك وهي اليوم تتخلى عن أهم قضايا هذه الأمة وتتطبع مع عدوها الحقيقي، والأغرب من هذا أن ولي العهد "ابن سلمان" هاجم حركات المقاومة وعلى رأسها حماس في خطوة تعدّ خطيرة جداً في الصراع العربي - الإسرائيلي الذي على ما يبدو أن السعودية تحاول إنهاءه بأي طريقة لتجنب المواجهة مع ترامب والوصول إلى بعض المصالح الشخصية.
ثالثاً: قراءة الإمام الخامنئي للأحداث دائماً تثبت بأنها صحيحة ودقيقة، فلطالما دعا الإمام لمواجهة العدو الصهيوني وعدم التفاوض معه، لأنه لن يجلب أي نتيجة ودعا أيضاً للجهاد مراراً وتكراراً ضد العدو الصهيوني، حيث قال سماحته في إحدى المرات: " الجهاد من أجل استرجاع الأراضي الفلسطينية المحتلة واجب إسلامي".
هذه القراءة أثبتت صحتها عندما حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات التفاوض مع الصهاينة في العديد من المناسبات، وماذا كانت النتيجة؟ هل تمكن من استعادة حقوق الشعب الفلسطيني أو حتى تحقيق السلام؟ بالتأكيد "لا" لأن طبيعة الكيان الإسرائيلي "عدوانية" ولا تفهم معنى "السلام" وبالتالي لا يمكن استرجاع الحق الفلسطيني إلا من خلال المقاومة، وأكثر من ذلك يمكننا القول بأن التفاوض والتنازلات ليس عملياً وليس له صفة قانونية، لأن النظام الصهيوني احتل أرض الشعب الفلسطيني عنوة ويعيش اليوم في مكان لا تربطه به أي جذور تاريخية أو ثقافية.
الجميع يعلم أيضاً بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حاول مراراً وتكراراً التفاوض مع الصهاينة، وماذا كانت النتيجة؟!، زيادة الاستيطان، قتل أعداد كبيرة من الفلسطنيين كما حدث مؤخراً خلال مسيرة العودة، إعلان قرارات جديدة تغتصب المزيد من أراضي الفلسطينيين، واليوم يريدون الاعتداء على عاصمة فلسطين "القدس" واعتبارها عاصمة لـ"اسرائيل"، فهل حقاً يمكن التفاوض مع هؤلاء؟!.