الوقت- سبعون عاماً أنهتها دولة الاحتلال الإسرائيلي باختراقٍ "ناعم" لعدد كبير من الدول العربية، استطاعت خلالها كسر الطوق الذي فُرض عليها طوال تلك المدّة، حيث تمكّنت تل أبيب من خلال سياساتها القيام باختراقٍ ناعم كبير للإعلام العربي، وأصبح من الطبيعي مشاهدة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على الشاشات وعلى صفحات الصحف العربية يدلون بآرائهم حول قضايا التقارب والعيش المشترك، ولا سيما الناطق باسم وزارة الحرب الإسرائيلية "أفيخاي أدرعي"، ومن جهةٍ أخرى اعتمدت تل أبيب على المقولة الإنكليزية الشهيرة "فرق تسد" حيث تمكنت من دقِّ الإسفين بين دول العالم الإسلامي معتمدةً على ما بات يُعرف بـ"إيران فوبيا"، من خلال ماكينة إعلامية ضخمة تمكنت من بث الرعب في قلوب عدد كبير من الدول من خطر إيراني مفترض قادم من الشرق لاجتياح العالم العربي.
سياسات ناعمة
لا يألو الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي جهداً في الوصول إلى الشباب العرب حصراً وذلك عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يخرج أدرعي وفي كل المناسبات الإسلامية للمباركة للعرب والمسلمين بأعيادهم الإسلامية، وذلك في محاولةٍ منه لإظهار كيانه على أنه مسالم وساعٍ إلى السلام والمحبة والعيش المشترك.
الكلمات المُنمّقة التي يستخدمها أدرعي قابلها مُتابعو الصفحة بسيل من السباب والشتائم بحق أدرعي ودولته، غير أنّ قدرته على استقطاب المتابعين له ولو من الرافضين لسلوك دولته والذين يعملون شتماً به وبكيانه تؤكد وكما يقول خبراء علم الاتصال على نجاح أدرعي في تحويل الرفض الشعبي إلى قبول على مستوى الوجود والنقاش على أقل حد، الأمر الذي دفع أدرعي إلى مبادرته لمتابعيه في كلِّ يوم جمعة بـ "جمعة مباركة" وأصبح يبدي رأيه في الدراما العربية خلال شهر رمضان المبارك، كما بات ينصحهم بسماع الأغاني العربية التي تروقه، مع دندنة مستمرة لأغاني المطربة فيروز.
وغير بعيدٍ عن أدرعي تبرز صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية لتكون الناطق الرسمي باسم إسرائيل محاولة في مرّاتٍ عدّة مدّ جسور التقارب مع العرب، متخذةً في سبيل ذلك عدّة أساليب ليس أقلها محاولة فتح حوارات مع المتابعين العرب والحديث معهم عن "فوائد" السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
أما آخر ما تفتّق عنه ذهن الساسة اليهود هو الدخول إلى البيوت العربية من خلال كأس العالم هذه المرّة، ولا سيما في الدول العربية المُحيطة بإسرائيل، حيث تُشير تقارير إعلامية إلى نيّة إحدى القنوات العبرية بثّ مباريات كأس العالم التي ستُقام الصيف المُقبل بشكل مجاني وبتعليقٍ عربي، الأمر الذي رأى فيه مراقبون بأنّه تغلغل ناعم من قبل دولة الاحتلال في هذه المناسبة العالمية، خصوصاً مع عدم قدرة شريحة كبيرة على متابعة تلك المُباريات بشكل مدفوع، الأمر الذي من شأنه أن يُدخل القناة العبرية إلى مختلف المنازل العربية خلال الحدث العالمي.
أما الأغرب من ذلك فهو مبادرة صحف عربية شهيرة كصحيفة إيلاف الإلكترونية لنشر مقالات ومقابلات مع ساسة الكيان يتحدثون فيها عن مستقبل العلاقات العربية - "الإسرائيلية"، مطلقين من خلالها تهديدات إلى قسم كبير من العالم العربي والإسلامي، وخير مثالٍ على ذلك المقال الذي نُشر لأفخاي أدرعي، والمقابلة مع وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي "يسرائيل كاتس"، بالإضافة إلى خروج الساسة اليهود على الشاشات العربية لشتم وتهديد دول عربية وإسلامية أخرى، ومثالاً على ذلك خروج أدرعي في برنامج مباشر مدّته ساعة على شاشة الجزيرة مهدداً ومتوعداً طهران بالويل والثبور.
إيران فوبيا
على الرغم من تحذير المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي من أنّ إسرائيل وأمريكا تستخدم الـ "إيران فوبيا" لبث الفرقة بين المسلمين، غير أنّ الكثير من العرب بات ينجرُّ وراء الأحاديث والتصريحات الإسرائيلية، وتعتمد تل أبيب في ذلك على العلاقات التي باتت تظهر إلى العلن يوماً بعد آخر مع عدد من الدول العربية، وباتت تلك الدول تعزف على نفس الوتر الذي تعزف عليه تل أبيب، وخصوصاً التصريحات التي تخرج من ساسة الرياض ولاسيما ابن سلمان ووزير خارجيته الجبير.
"إيران فوبيا" باتت تُشكل القاسم الأبرز بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وعدد من الدول العربية التي تدور في "إسرائيل"، والتي باتت تنادي علناً بضرورة الوقوف بوجه إيران، متناسين أنّ العدو الوحيد الساعي إلى تقسيم المنطقة وتفريغها من طاقاتها هو إسرائيل، حيث إنّ طهران وفي أكثر من مناسبة أكدت على العلاقات الأخوية بين طهران وباقي دول الجوار، حيث يؤكد الرئيس الإيراني على أنّ دول المنطقة طالما عاشت جنباً إلى جنب، وأي سوء فهم يمكن تسويته بالحوار، وطهران دعت دوماً إلى الارتقاء بمستوى العلاقات وإرساء أسس الأمن والاستقرار والوحدة في المنطقة، مؤكداً وجود أرضيات عدة لتوسيع العلاقات.
ختاماً.. ومع كل الممارسات الإسرائيلية، أو تلك التي تُمارس من قِبل عدد من بلدان عربية فإنّ الوجود الإسرائيلي أو التطبيع محكومٌ عليه بالموت، فلا العرب على استعداد للقبول بدولة إسرائيلية على أرض فلسطين، ولا الساسة العرب الذين يُطالبون بالتطبيع مع دول الاحتلال سيبقون على عروشهم إلى الأبد، وما إصرار إسرائيل على علاقات علنية مع الدول العربية إلا محاولةً منها لإحراج حكام تلك الدول، حيث إنّها تعرف أنّها لن تجد قبولاً في الشارع العربي مهما سعت للوصول إليه.