الوقت- حطّت قوافل ولي العهد محمد بن سلمان "الاسكندر" كما يحبّ أن يلقب، رحالها في أمريكا ليبدأ الأمير الشاب زيارته الرسمية التي رافقها الكثير من الجدل حول طبيعة هذه الزيارة وأسبابها وتوقيتها، وهل جاءت كنوع من تقديم فروض الطاعة لمن يحمي بلاده قبل الوصول إلى كرسي الملك أم ليفرض شروطه على اعتبار أنه يشبّه نفسه بـ"الاسكندر"؟!.
الاسكندر الشاب "32 عاماً" لم يجلب معه علماء السعودية كما كان يفعل "الاسكندر" الحقيقي عندما كان يزور بقية الممالك لكونه تتلمذ على يد "أرسطو" ويعلم جيداً أن السيف والعنف لا يأتيان بالحلول دائماً، لكن على ما يبدو أن ابن سلمان لم يقرأ هذه المعلومات قبل مغادرته السعودية.
ابن سلمان يحاول بشكل أو بآخر وبجرأة منقطعة النظير في حال قارنها مع أسلافه أن يؤمّن كل وسائل الحماية حتى لحظة وصوله إلى كرسي الحكم حيث نتوقع في حال وصل إليها أن يغير الكثير من سياسته التي يتبعها حالياً، والتي وإن كانت تحمل في طياتها الكثير من التهور والعنجهية والقسوة إلا أنها والحق يقال ساعدته إلى حد كبير في تثبيت حكمه وصناعة بروباغندا إعلامية وسياسية لـ"شخصه" لم يحصل عليها أمراء العصر العباسي، حتى وإن كان تمويلها من بيت مال السعودية وعلى حساب قوت الشعب السعودي، فالأمير يعرف أن يلعب جيداً فهو دغدغ مشاعر الكثيرين من شريحة الشباب السعودي من خلال إصلاحاته الأخيرة التي حققت له شعبية من جهة وأعداء كثر داخل السعودية من جهة أخرى.
الأمير الشاب لم يكتفِ بإدخال الفن السابع إلى السعودية وإعداد مشاريع لفتح صالات سينما وفق أحدث التكنولوجيا، بل أعطى المرأة في بلاده فسحةً من الحرية، حيث سمح لها بقيادة السيارة ودخول الملاعب الرياضية وفي آخر إصلاحات له منح إحدى السيدات منصب نائب وزير قبل جولته الأوروأمريكية، وأطلق أيضاً حملة لمحاربة الفساد ساعدته كثيراً على تحييد كل من يقف في وجه طموحاته وأحلامه في الوصول إلى الحكم من دعاة وإصلاحيين وأمراء حتى وإن كانوا من أقرب الناس إليه، ولكن هل تستطيع أن تخفي كل هذه الإصلاحات الوجه الآخر لولي العهد؟!.
لكي يتمكن ابن سلمان من التغطية على ما يجري في اليمن من جرائم حرب وفوضى أحدثتها ماكينات القتل السعودية والانتهاكات غير المعهودة لحقوق الإنسان التي تجري هناك والضغوط الأوروبية من برلمان وشعب لإنهاء هذه الحرب التي لم يعرف أحد حتى اللحظة لا أسبابها ولا أهدافها ولا ماذا حققت، (الحقيقة أنها لم تحقق أي نتيجة تذكر)، ولكي يخفي ابن سلمان الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بلاده جراء انخفاض سعر برميل النفط وحالة التقشف التي تعيشها البلاد، كان لا بدّ من إحداث منهجية خاصة تعالج ما سبق ذكره، والحل هو بخلق بروباغندا لتعظيم شخص "ولي العهد" وإظهار الجانب المضيء من إصلاحاته وتضخيمها، وبالفعل هذا ما شاهدناه في شوارع لندن في الأيام التي سبقت، ورافقت زيارته إلى بريطانيا ونفس الكلام تكرر في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن وبالرغم من كل المال الذي تم صرفه على هذه الدعاية المسبقة الدفع لم يتمكن ابن سلمان من إخماد الأصوات المعارضة لزيارته لتلك البلاد ولا حتى المتظاهرين الذين خرجوا وسط البرد للتنديد بزيارة ولي العهد ابن سلمان ورفع شعارات تطالب الأمير بإنهاء الحرب على اليمن.
وحول البروباغندا التي رافقت زيارة ابن سلمان إلى واشنطن يشير موقع "theamericanconservative" إلى الحملة الإعلامية المصاحبة لابن سلمان لأمريكا، وجهود اللوبي السعودي في واشنطن، والمليارات التي دفعت لتظهر نتائجها الآن بصورة مختلفة، ويلفت الموقع إلى عمل هذه المؤسسات، التي باتت تنشر صورة أخرى عن السعودية، وتجمّل الواقع، وتحرّف الأخبار السلبية، وتساعد في تشكيل السياسات المحلية لأمريكا لمصلحة السعودية.
أما موقع "ذي انترسبت" الأمريكي فقد اعتبر المقابلة التي أجرتها قناة "سي بي أس" الأمريكية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنها بمثابة جريمة بحق الصحافة، ويتساءل الموقع: كيف يمكن أن يقدم برنامج عريق كبرنامج "60 دقيقة" تقريراً عن ابن سلمان هو أشبه بالترويج للنظام السعودي أكثر منه مقابلة صريحة ومباشرة؟.
أما تقارير الاستخبارات الأمريكية فقد أكدت أن محمد بن سلمان تصرّف بسرعة، وبشكل طائش، وتمكّن من إغضاب أبناء العائلة المالكة، الأمر الذي جعل الدوائر الاستخبارية في العالم تصل إلى تقدير أن ما يقوم به سوف ينتهي باغتيال، فهو عديم التجربة، وتنقصه قوة الحماية الداخلية المطلوبة، ولذلك فمن المحتمل أن يدفع ثمناً باهظاً بسبب العاصفة التي جلبها على السعودية.
الخلاصة؛ رغم التهليل الكبير لزيارة ترامب إلى الرياض، إلا أن ما نتج عنها لم يكن بمستوى تطلعات السعوديّة.. نعم نتائجها الإعلاميّة كانت كبيرة إلا أنه على أرض الواقع لم يكن الأمر كذلك... عدا حصول ترامب على مئات المليارات، وفي هذه الزيارة سيدفع أيضاً ابن سلمان لترامب، ولا نستبعد حصول صفقات وهمية للاستثمار في السعودي، صفقات مدفوعة سلفاً، في إطار دعم ابن سلمان "الأرعن"، كما قالت عنه الصحف الأمريكية، للعودة إلى البلاد برتبة ملك وليس أميراً.